للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت مشكلة هؤلاء الطلاّب الأدباء هي علوم الرياضيات، أي الحساب والجبر والهندسة بأنواعها، وبينها وبين الأدب مثل الذي بين الإضافة والتنوين:

كأنيَ تنوينٌ وأنتَ إضافةٌ ... فحيثُ تراني لا تحُلُّ مكاني

وكل منهم حل المشكلة على طريقته: أمّا بدر الدين الحامد فقد نظمها كلها، كما نظم الكيمياء والفيزياء (وكنّا نسميها «الحكمة الطبيعية») أراجيزَ كأرجوزة ابن مالك في النحو، وحفظها كلها. وكان سريع النظم قوي الحافظة، فنجا من شرّها ونجح في الامتحان. وأما زكي المحاسني فكان يضع أمامه مسألة الجبر أو الهندسة ويحفظ الشكل كما هو، لا أدري كيف يرسمه على ذاكرته كأنه صورة شمسية ينقلها مع شرح الصورة: مثلت (ب ج د) وخط (ب ج) وخط (ج د) وزاوية كذا، تنطبع في ذهنه انطباعاً مدهشاً ثم يطبعها في ورقة الامتحان، فنجا بذلك أيضاً مع أنه لم يفهم منها شيئاً.

أما أنور فلم ينظمها نظم الحامد ولم يطبعها في ذهنه طبع المحاسني، وكان يسقط أبداً في الامتحان. فجئنا وفداً إلى أستاذنا مسلَّم بك عِنَاية فقلنا له: هذا شاعر نابغة ولا يحتاج إلى الرياضيات، ولا يستطيع أن يفهمها، فهل تتغاضى عنه حتى يتفرغ لأدبه وشعره، ولا تُعيقه عن السير بما لا يحتاج إليه ولا يقدر عليه؟ كنا نقول له هذا وهو ذاهب إلى غرفة الطعام ونحن معه، فلما وصل قال رافعاً صوته: انظروا كم شاعراً حول هذه المائدة من الأساتذة؟ البِزِم شاعر، والجندي شاعر، والمبارك شاعر، والقوّاس شاعر ... وراح يعدّهم وهم ينظرون متعجّبين، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>