كان هذا المذهب مسيطراً علينا، تجدون آثاره في أشعار الشعراء من رفاقي ورفاق أنور رحمه الله ورحمهم: عبد الكريم الكرمي (أبي سلمى) وزكي المحاسني وجميل سلطان، وقد نبغوا جميعاً من صفّ (أي فصل) واحد في مكتب عنبر. ولم تكُن تخلو سنة من شاعر أو كاتب جديد ينبغ من بين الطلاّب، فمن إخواننا الذين هم أكبر منّا قليلاً سليم الزّركلي، وممّن جاء بعدنا بسنين أمجد الطرابلسي وعدنان مَرْدَم بك وناجي الطنطاوي، وممّن هم في مثل سني عمر أبو ريشة في حلب، وممّن هو أكبر سناً بدر الدين الحامد وعمر يحيى في حماة.
ولعلّ أشعر مَن سَمّيت هنا عمر أبو ريشة وأنور العطار. عمر أبعد أُفقاً وأوسع مجالاً وأكثر تصرّفاً في فنون القول، وأنور أنعم ديباجة وأحلى أسلوباً. هذا رأيي وكل رأي يحتمل الخطأ والصواب.
اجتمع في مكتب عنبر الشعراء الأربعة. وممّن انصرف إلى الأدب وعلومه، ولكن لم يُحسِن الشعر: أنا وسعيد الأفغاني. وكان معنا في المدرسة شاعر ليس من أقراننا ولا سنّه من أسناننا، هو بدر الدين الحامد (الأخ الأكبر لشيخ حماة الشيخ محمد الحامد). كان معلّماً بلا شهادة فجاء يَدرس سنة في «التجهيز» و «دار المعلّمين» ليحصل على الشهادة. وكانت مدّة دار المعلّمين ثلاث سنوات تبدأ من بعد الابتدائية، أي أنها مدرسة متوسطة، ثم زادوا مدّتها سنة بعد سنة حتى صارت مثل المدرسة الثانوية، لذلك رأيتم في صورتنا -يوم نلنا الشهادة الابتدائية- معلّمين في مثل أعمارنا نحن التلاميذ.