على الأرض أستريح قليلاً لأشرح للناس الذين تكوّموا علينا: لماذا نزلنا من هنا.
* * *
والذكريات -كما تعرفون- يجرّ بعضها بعضاً، فقد ذكّرتني هذه الجولة برحلة إلى حَلْبون (أشرت إليها في الحلقة الماضية)، كنت قد كتبت مقالة أصف فيها الجانب المسلّي منها ووضعتها في كتابي «من حديث النفس»، ولكني واصفٌ اليوم الجانب الآخر. وإذا كان فيما نُشر من قبل شيء من تهاويل الخيال فإن الذي أقوله اليوم هو الواقع أرويه كما وقع.
كان ذلك سنة ١٩٣١، وكان أخي أنور العطار معلّماً في مدرسة مَنين (١) خلفاً لأخي سعيد الأفغاني، فعُيّن صديقنا حكمة هاشم معلّماً في مدرسة حلبون، وكان شاباً في الثامنة عشرة، فضَمِنّا (أنا وأنور) لأبيه أن نذهب معه إليها لنوصله وندبر له أمره. ولقد وصفتُه في المقالة المنشورة يومئذ (مازحاً) بأنه أستاذ جامعة حلبون، فمرّت الأيام ورأيته مدير جامعة دمشق حقاً.
ومنطقة التلّ ومنين إحدى متنزَّهات دمشق ومناطق الاصطياف فيها، يخرج أهل دمشق إليها للتفسّح من ضيق الحياة عليهم والتفرّج من شدتها وكربها. أول هذه المناطق وأَولاها باهتمامهم، بل لتكاد تُعَدّ مَصِيفهم الأصلي، لا يقصدون غيرها
(١) كذا ضبَطها ياقوت في معجمه، بفتح الميم. واسمها الدارج على ألسنة العامة بسكونها، فيلفظونها «مْنِين» (مجاهد).