ولا يفكّرون في سواها، هي منطقة وادي بردى، ابتداء من الرَّبْوة والشّاذِروان إلى دُمَّر والهامَة، وإلى جنب الهامة قرية داثرة هي جَمرايا (٢) قرية الشاعر ابن واسانة التي قال فيها قصيدة طويلة لا نظير لها في الشعر العربي، يصف فيها ضيوفاً نزلوا عليه نزول البلاء وأكلوا ما عنده أكل الجراد، وخرّبوا عامره وسرقوا متاعه وهمّوا بالتعدي على عِرضه، كأنهم جيش الدفاع الإسرائيلي، أي الدفاع عن شرع إبليس لعنه الله ولعنهم ولعن من يُعينهم ويحمي أمنهم، إنه أمن اللصّ الذي يريد أن يسرق (على كيفه) فلا يروّعه صاحب الدار. وهذه القصيدة العجيبة في «يتيمة الدهر» فاقرؤوها.
وعند الهامة يتّسع الوادي قليلاً، ثم يأخذ في الضيق عند الجدَيْدة، فإذا صار عند «العين الخضراء» لم يبقَ منه إلاّ ما يسع بردى، يجري فيه كالشاب المتهوّر الطائش المجنون ولكنه قوي جميل، وعين الخضراء تتوارى وراء الصخرة عند رِجل الجبل كالفتاة الفتّانة المستحية العذراء. وهو أجمل من وادي زحلة عند البردوني، الذي قال فيه شوقي «يا جارة الوادي» وغنّى عبد الوهاب ما قال شوقي، فكان من ذلك أحلى لحن في أحلى شعر.
ثم يصل إلى «الفيجَة»(وقد سبق الحديث عنها)، فيمشي بعدها بين جبلين متقاربَين إلى «التكيّة» حيث نُصبت من قديم مولّدات الكهرباء يحرّكها الماء المتحدر، ثم يصير الوادي الضيّق
(٢) وهي اليوم في أرض الدكتور عدنان والشيخ أبي الفرج الموروثة عن والدهم الشيخ عبد القادر الخطيب.