للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنا كانت «العدلية» وإلى شرقها بناء أصغر هو «البريد»، والبريد «مصلحة» القلوب والجيوب (١)، وحقيبة ساعي البريد فيها البشائر وفيها النذُر، يترقبه العاشق وينتظره التاجر، والأم التي غاب عنها ولدها تعدّ الدقائق لتأخذ رسالة منه تطفئ أو تخفّف من نار الشوق في صدرها، والطالب يقف على الباب وبصره على أول الشارع ليرى ما يحمل إليه موزّع البريد، هل يحمل خبر النجاح في الامتحان أو نبأ السقوط والخسران؟

وإلى قربها عمارات تطلّ على بردى، يقابلها من هناك «السراي». وقد كانت في ذلك العهد (بل إلى ما بعده بربع قرن) تجمع -وحدها- وزارات الدولة كلها ومعها مجلس الوزراء،


= عام ٩٢٢هـ). أما «المَرجة» المشهورة في دمشق فهي مركز المدينة وأهم ساحاتها، وتقع بين شارع النصر وحي البَحْصة. ويبدو أن اسمها جاء من ماضيها؛ حيث كانت في العهد المملوكي متنزّهاً غنياً بالخضرة والأشجار (يمتد إلى شرق موضع التكية السليمانية) حيث ينقسم بردى إلى فرعين يصنعان جزيرة بينهما. وفي عام ١٨٠٧م أنشأ فيها والي دمشق العثماني «كنج باشا» مبنى للحكومة عُرف باسم «سرايا الحكم» (في نفس الموضع الذي قامت فيه بناية العابد من قريب)، وفي عام ١٨٦٦ غطّى الوالي محمد راشد باشا نهرَ بردى في تلك الساحة، ثم شيّد فيها الوالي مدحت باشا مبنى البريد ومبنى العدلية عام ١٨٧٨، ثم أنشأ فيها الوالي ناظم باشا مبنى البلدية عام ١٨٩٥. والاسم الرسمي للمرجة اليوم هو «ساحة الشهداء»، سُمّيت كذلك لأن جمال باشا شنق فيها جماعة من العرب، وقد مرّ خبرهم في آخر الحلقة الخامسة من هذه الذكريات (مجاهد).
(١) الجيب فتحة القميص عند العنق، ولكن لا بأس باستعماله على الوجه المعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>