للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفت منير العجلاني قبل أن ألقاه من مقدّمته التي كتبها لرواية «سيد قريش»، بأسلوب ناعم رشيق مملوء بالأمثال والشواهد من الأدب الفرنسي، تدلّ على أنه متمكّن منه وأنه قد خالط نفسه وعايشه. أسلوب لا أدري لماذا يذكّرني كلما قرأته بصوت فيروز: فيه كل مزايا الأصوات القادرة المعبّرة لكن بمقياس صغير صغير، كأنك ترى المنظر الجميل بالمنظار المقرّب، ولكن من الجهة الأخرى، فترى المنظر كله ولكنْ مصغّراً بدلاً من أن تراه مكبّراً.

وقد كان له نشاط بين الطلبة في فرنسا، فلما عاد أراد أن يصنع شيئاً، لم يستطع أن يقعد خاملاً، فجمع أدباء الشباب ممّن هم في سنّي وسنّه ومَن هم أكبر قليلاً، وجعل يحدّثنا عمّا جدّ في الأدب، يحدّثنا عن الشعر الصافي (١) وعن المذاهب الجديدة وأهلها. وكان يجمعنا في مكتب أخيه المحامي في عمارة العابد، أقدم وأضخم (وإن لم تكن أعلى) عمارة في دمشق، يقدّم لنا أطيب المرطّبات وأنفس الحلوى. ثم انتقلنا من الأحاديث المتفرّقة في الأدب والمناقشات والمناظرات إلى اقتراح إنشاء نوع من الروابط بيننا، جمعية أو لجنة أو رابطة. واختلفنا وأمضينا وقتاً طويلاً في الاتفاق على اسم نسمّيها به، أي أننا نسجّل اسم الولد في دوائر النفوس قبل أن يولد وقبل أن نعرف هل المولود ذكر أم أنثى! ومرّت عدّة اجتماعات لم نملّ منها ولم تعزف نفوسنا عنها، لأن المرطّبات والحلويات مستمرّة، وهذا هو المطلوب. ثم اقترحت أنا (أذكر ذلك تماماً) أن نسمّي ما نحن فيه «المَجمع


(١) poesie pure.

<<  <  ج: ص:  >  >>