للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأين آلامنا؟ لقد كانت دنيانا كلها مختصَرة فيها، كما يُختصَر الكتاب في صفحات وكما تقطر قارورة العطر في قطرات، فأين دنيانا تلك يا ناس؟

أين مَن كانوا يقعدون فيها على المقعد الواحد؟ لقد رفع الدهر منهم قوماً ووضع آخرين، اغتنى ناس وافتقر ناس، وربما صار (بل لقد رأينا بأعيننا) ابن الآذن (الفرّاش) قد صار هو الرئيس، وابن الرئيس قد أمسى فرّاشاً أو مثل الفرّاش!

هذه هي الدنيا، فالأحمق من اطمأنّ إليها ووثق بدوامها، ولم يحسب حساباً لتداول الدول وتبدّل الأحوال، وظنّ أن ما نال منها من مال ومجد وسلطان باقٍ له؛ ما علم أنه لو دام على مَن قبله ما وصل إليه.

ثم مضى أكثرُ رفاقنا إلى حيثُ مَن مضى لا يؤوب؛ مضوا ليجدوا ما قدّموا مُحضَراً، فإمّا إلى جنة وإما إلى نار. فاللهمّ يا عفوُّ يا من تحبّ العفو اعفُ عنّا، واختم بالحسنى لنا ولمن صفّى قلبه مع الله، ومدّ يديه خاشعاً وقال: آمين.

وأرجو لكل من دعا لي بخير مثلَ ما دعا لي به، هذا والله ما أريده وهذا ما أحتاج إليه. لا أحتاج مالاً ولا منزلة ولا شهرة في الناس، كل ذلك لديّ منه الكثير، وكل ذلك سراب، تحسبه من بعيد ماء فإن جئتَه لم تجد إلا التراب. ما أريد إلا دعوة صالحة من مسلم صالح، تبقى سراً بينه وبين الله.

لقد قارعَت هذه المدرسة دهرها، فنزلَت حتى صارت مدرسة ابتدائية، ثم أدركها ما يدرك كلَّ ما سوى الله: من إنسان

<<  <  ج: ص:  >  >>