تسمعون أسماءها كل يوم في الأخبار عن الجولان وما فيه، وإذا سمحتم فإني أقرأ لكم طرفاً من هذا الرسالة. قلت له:(١)
"يا أخي الأستاذ عبد اللطيف، إنني أشكرك. لقد كنت أعرف بلادي فزدتَني معرفة بها، وكنت أحبّها فصيّرتَني أكثر حباً لها، وكنت أظنّ أن الشام أجمل بلاد الدنيا فأريتَني أمس أنها أجمل ممّا كنت أظنّ، وأشهدتَني من جمالها ما لم أكن قد شهدته. أفليس عجيباً أن أكون ابن دمشق وأنني لا أزال من خمسين سنة (خمسون سنة يوم كتبت هذه الرسالة) أتسلّق جبالها وأهبط أوديتها، وأتيمّم ينابيعها وأجول في قراها، حتى حسبت أني قرأت كلّ صفحة من كتاب روعتها وكلّ جملة من حواشيها وعرفت كلّ بقعة من بقاعها، فأتيت أنت من حلب لتثبت لي أني لا أزال أجهل كثيراً من بهائها، وأنني أجهل الأكثر من كنوزها؟
(والرسالة طويلة، إلى أن قلت): سلكنا طريق القنيطرة (القنيطرة التي أخذها اليهود ثم رُدَّت إلينا الآن وحدها مهدَّمة)، حيث الفضاء ممتدّ على جانبَي الطريق والأرض الممرعة الخضراء تصل إلى الأفق منبسطة كصفحة الكفّ، وإذا بنا نميل عن الجادة ثم ننحدر، فإذا الستار ينحسر لنا فجأة عن عالَم من المفاتن كان مخبوءاً وراءه، وإذا الأرض التي كانت منبسطة صارت أودية
(١) ما بين الأقواس، مما يلي هاتين النقطتين إلى رأس الصفحة ٦٤، منشورٌ أكثرُه (باختلاف يسير أحياناً) في مقالة «على سفوح جبل الشيخ» التي ضمّها الشيخ إلى كتاب «دمشق» في إحدى طبعاته الجديدة، ولم تكن فيه يوم صدر أول مرة سنة ١٩٥٩ (مجاهد).