من قرى حوران، فلما مُدّ الخطّ الحجازي (سنة مولدي) جعلوا محطّاته بعيدة أحياناً عن القُرى ليكون مستقيماً فلا يتعرّج ليصل إلى كل قرية منها، فنشأت حول المحطّة بُلَيدة مُحدَثة، لكنها جديدة البناء حسنة التخطيط، وكان فيها دار الحكومة وسوق التجار. بلغناها بعد العشاء فوقفنا فيها ريثما حيّينا مَن جاء للسلام علينا، وهتفنا بآل المقداد في بُصرى (وهم وجوهها وأعيانها) نخبرهم بقدومنا وتوجهنا إلى بصرى.
لمّا كنّا نتعلم في المدرسة الابتدائية على عهد الترك كانوا يسمّونها «بصرى إسْكي الشام»، أي الشام القديمة، لأنها كانت يوماً حاضرة الشام وأكبرَ مدنها، ولا يزال فيها من الآثار ما يشهد بما كانت عليه؛ من ذلك المدرّج الروماني، وهو أكمل المدرّجات الرومانية الباقية، لا ترى مثله ولا في إيطاليا. ليس مدرّجاً فقط كالذي في عَمّان، بل إن فيه وراء المسرح أبنية ضخمة لها واجهات قائمة على أعمدة ولها شرفات، كلها من الحجارة الكبيرة المصقولة.
والمدن كالناس تُولَد وتموت، وتشبّ وتشيخ، وتعزّ وتذلّ. هذه إسطنبول (إسلامبول) كانت يوماً عاصمة أوربا، نازعَتها القيادة قرية في الأناضول هي أنقرة، التي مرّ بها امرؤ القيس وقال فيها:«رُبّ جفنة مثعنجرة، وطعنة مسنحفرة، تبقى غداً في أنقرة» وذكرها أبو تمّام في بائيته التي لم يقُل أعظم منها المتنبي. وهذه برلين العظيمة أخذت منها الصدارةَ قرية كبيرة تُدعى بون، بل ضاحية منها هي بادكودنبرغ (ومعناها حمام الجبل الجميل).