لتطلب منه شيئاً، لا يغضب ولا يتأفّف ولا يمنّ عليك ولا ينتظر منك أجراً؛ خليقة اضطرّتهم إليها طبيعة أرضهم وطيبة قلوبهم.
سألناهما ففهمنا منهما أنهما هنا منذ الأمس، وقالا إن سيارات «أبو حنيك» مرّت من هنا تفتّش عن غرباء دخلوا المنطقة، فنظر بعضنا في وجوه بعض وابتسمنا. وقلنا: أين نحن الآن؟ قالا: على ماء «الهزيم»، وها هو ذا عند تلك الطّلحة.
والطلح شجر من شجر البادية لا يُثمِر. وكان الأعرابيان بثياب رثّة، أسمال بالية، يقودان جملاً هزيلاً. ففتحت حقيبة لي فيها مال، وفهم الشيخ ياسين أنني أريد إعطاءهما فأشار إليّ أن لا تفعل. ففهمت إشارته ولكني تجاهلتها لأني وجدتهما فقيرَين، واستخرجت شيئاً من المال مددت يدي به إليهما، فغضبا وقالا ما لم أفهمه، فندمت على أني لم أُطِع الشيخ ياسين. ما كنت أعلم أن البدويّ يحمل نَفْس أمير وإن ارتدى ثوب شحّاذ، ولم أعُد بعدها إلى مثلها.
وحوّلت مجرى الحديث، فقلت: وأنتما ما خطبكما؟ قالا: أضلَلْنا بعيرَين لنا فنحن في طلبهما منذ ثلاث. فأحسست أني دخلت البادية حقاً، بل لقد شعرت أنني دخلت التاريخ أعيش فيه. إن تاريخ العرب الاجتماعي والأدبي يعيش اليوم في باديتهم «حاضراً» يُرى لا «ماضياً» يُروى.
ومشينا إلى ماء الهزيم نرى ما هو، فلما رأيناه انهزمنا نحن منه إذ وجدناه ماء آسناً منتناً، فتركناه وسرنا.