كنت أعجب من سيارات أبي حنيك (وهو غْلوب، كنّوه أبا حنيك لأن رصاصة أصابت في الحرب حنكه فتركت فيه تشويهاً لا يزول)، كنت أعجب منها: لماذا لم تتعقّب سياراتنا وأثرُها ظاهر يراه كلّ ذي عينين، فكيف بالخبراء من رجال الجيش؟
وسرعان ما جاءني الجواب؛ لقد رأينا خطاً ممدوداً فيه السلك (١) الشائكة، وفي وسطه لوحة مكتوب عليها «المملكة العربية السعودية»، فعلمت أني قد وصلت إلى دار الأمان، إلى البلد الذي لم تدنّس ثراه أقدامُ مستعمر كافر ولم ترفرف فوقه راية لفاتح كافر، البلد الذي خُلق حُراً وعاش حراً وبقي حراً، على حين ابتُلِيَت بلاد المسلمين حيناً بالاستعمار وغلب عليها يوماً الكفار.
لقد امّحت من وجوهنا سمات الخوف وكُتبت عليها سطور الفرح. أهو الفرح لأننا صرنا في السعودية، أم لأننا دنونا خطوة من بيت الله ومن مدينة رسوله صلى الله عليه وسلم، أم لأننا نجونا ممّن كان يطاردنا، ويلاحقنا ليطردنا أو يثبّتنا ويحبسنا؟
وتجدّد نشاطنا وصُبّ الأمل في نفوسنا، فتقدمنا مطمئنّين على وعورة الأرض وكثرة الرمال، وجعلنا نعلو ناشزاً من الأرض ونهبط غائراً، حتى بدت لنا تلّة عالية فوقها سواد تبين لنا أنه خباء من أخبية الشعر، فأنسنا به وأسرعنا المسير إليه، فلما دنونا منه رأيناه مخفراً من مخافر الحدود فوقه علم مكتوب فيه «لا إله إلاّ الله محمد رسول الله» وتحتها سيفان، كلمة الحقّ لمن أراد الحقّ