ورأينا ثلاثة شُبّان كأنهم الرماح، بأثواب عربية فوقها رداء (جاكيت) عسكري، يهبطون من فوق التلّ لاستقبالنا بوجوه يشرق فيها الكرم، وجباه يسطع منها النبل، وملامح فيها القوّة وفيها الطِّيب، عليهم مناطق الرصاص، بأيديهم بنادق جديدة وعليها كتابة، لمّا قربوا منا قرأتها فوجدت فيها:«وقف لله تعالى، وقفه عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود».
ساروا أمامنا ونحن نتبعهم حتى بلغنا الخباء في أعلى التلّ، فإذا فيه البسُط والجلود ورحل جمل يتّكئ الجالس عليه، وفي وسط الخباء حفرة فيها نار موقَدة قد وُضعت حولها «دِلال» القهوة، فأجلسونا على أفضل ما عندهم من أثاث وبذلوا لنا أكثر ما يقدرون عليه من إكرام، وقدّموا القهوة، ولم ينقطع ترحيبهم بنا وسؤالهم إيانا عن سفرنا.
وقد شعرنا أنهم في مثل موقف المحرَج؛ فالواجب الرسمي عليهم أن يتحقّقوا من أسمائنا ويستقْرُوا (١) أحوالنا، وهم يعرفون الواجب الرسمي، والعرف العربي في البادية ألاّ يُسأل عن اسمه الضيف حتى يكون هو الذي يخبر به، وهم بين واجب الشرطي وكرم المضيف. وقد حلّ المشكلة الشيخ ياسين الرواف رحمه الله، وهو نجدي الأصل قصيمي، شامي المولد والنشأة دمشقي، فخبّرهم خبرنا وأعطاهم جوازات سفرنا، فوضعوا الخاتم عليها، ولمّا اطمأنّوا إلى أنهم أدّوا واجب الوظيفة الرسمية تفرّغوا لأداء
(١) يُقال استقرى يستقري استقراء، أما استقرأ فمعناها طلب القراءة.