هذه مزاياه، أما: هل أحسن أم قد أساء؟ وماذا كان موقفه من الإسلام؟ الجواب لا يرضيه لو كان حياً ولا يرضي تلاميذه ومحبّيه، ولكنه الحقّ ولا يضرّ الحقَّ أنْ كثُرَ أعداؤه وكارهوه. كان العقلَ المفكّر لفتنة القومية التي لم يأتِ منها إلا أننا كنا أمة واحدة هي «أمة محمد» فصرنا جمعية أمم، وكنا إخوة يجمعنا الحب في ظلال الإيمان فصرنا أعداء تفرقنا هذه الدعوة الجاهلية. ولقد أفسد مناهج سوريا لمّا دعا بعد الاستقلال إلى إصلاحها. ولقد كان لنا (أنا ونهاد القاسم رحمه الله) مجلس معه في مصر سنة ١٩٤٧ استمر ساعات.
ولكن لماذا أقف عنده الآن؟ إنه داء الاستطراد والخروج عن الجادة، فلنعد إليها ولنتابع طريقنا فيها.
لقد كانت معركة ميسلون منعطفاً خطيراً في تاريخ بلادي، وما أكثرَ المنعطفات في قصة حياتي! ذلك لتعلموا أن حياة الإنسان لا تقاس بـ «طول» السنين بل بـ «عرض» الأحداث؛ فلقد بلغ عمري في التاريخ الذي أكتب عنه اثنتي عشرة سنة فقط، ولكني رأيت فيها حكم الأتراك، وحكم العرب ومن ورائهم الإنكليز، مستخفين بأشخاصهم ظاهرين بأعمالهم كالوسواس الخنّاس مع الناس. وسأشهد قريباً حكم الفرنسيين، وهم ظاهرون ظهوراً قوياً ولكن أثرهم -إن قيس بأثر أولئك- كان ضعيفاً.
أتعرفون القصّة الرمزية عن الريح والشمس لمّا تراهنتا على أيهما يقدر أن ينزع عن الفلاح معطفه، فعصفت الريح واضطربت حركة الهواء فبرد فلبس فوق المعطف عباءة، وجاءت الشمس