المعذّب والعاشق المهجور، والتاجر الذي أفلس والتلميذ الذي رسب، لعلها كانت أهون منها؛ كنّا نمرّ على الأرض الصلبة المتماسكة فنحمد الله ونسرع السير، ونمرّ على «القاع» وقد عرفتم ما هو، ويُسمّى في بادية الشام «الطليحة»، ونمرّ على «الشُّعَيب» وهو مسيلٌ جَرَفَ الماءُ ترابَه وأبقى فيه حجارة صغاراً وكباراً تُعيق السيارة كبارها وصغارها، أو نصعد رابية يسهل صعود السيارة أولها ثم تعجز عن بلوغ ظهرها فتقف دون تسلّقها ... من شدّة إلى شدّة، ولا نعرف ما الذي يستقبلنا فيها.
مررنا على مياه من مياه البادية، وهي متغيرة اللون والرائحة والطعم. تسألون: من أين عرفنا طعمها؟ لقد اضطُررنا مرّات إلى شربها. كنّا نضع المنديل أو العمامة (الغترة) بين أفواهنا ومائها، نشرب ما يقطر منه، ويبقى على وجه المنديل أو العمامة مثل الوحل المنتن الخبيث. هذه المياه تُسمّى «غطى» و «العيساوية» و «الفجر»، ولم نصادف ماءً صافياً قط لأنها كانت سنة قحط وجدب وجفاف.
لقد وصفتُ مسيرنا بعد عودتنا لأخ من إخواننا هو الأستاذ ياسين الحموي الذي صار -من بعد- مدير «الكلّية الشرعية»، فرسم هذه الخريطة (١)، رسمها بناء على وصفي الطريق بعدما رجعت. ولم أكُن أعرف حين كنّا نمشي أين نحن من الأرض. كل
(١) لم تُطبَع الخريطة في طبعات الكتاب السابقة، وقد اجتهدت أن أضيفها في موضعها هنا. أخذتها من كتاب «من نفحات الحرم» الذي تجدون فيه تفصيلات هذه الرحلة، كثير منها ذُكر هنا وبعضها لم يُذكَر (مجاهد).