ما معنا من الماء وينفد ويستأثر بما معه منه من كان أقوى أو كان يحمل السلاح! لقد بلغت المسألة حدّ التنازع على الحياة، وهنا تتجلّى معادن الرجال، فإمّا الأثرة البشعة وهذا ما عند الأكثرين، وإما الإيثار البالغ وهو ما عند القلّة النادرة من عباد الله الصالحين. أين منّا عين الفيجة التي يتفجّر منها الماء الذي لم يخلق الله (فيما علمنا) أصفى منه ولا أبرد؟ أين عيون بلادنا وينابيعها؟ أنهلك ها هنا عطشاً ونحن أبناء الأرض المباركة، أرض العيون والينابيع؟
وكان الدليل حركة دائمة دائبة، لا يهدأ ولا يسكن، يصعد ذروة جبل وينظر، ثم يهبط ويصعد أخرى، فلا يرى شيئاً فيعود محتاراً متألماً. حتى نزل مرّة، وكان ذلك مساء اليوم الثاني لدخولنا هذا الوادي الذي سَمّيته «وادي الموت»، فلمح على البعد جبلاً، فهلّل وكبّر وقال: أبشروا فقد وصلنا، هذا شَرورَى.