فلما رأى السلطان عبد الحميد (الذي سوّد اليهود تاريخه كذباً وافتراء عليه، سوّد الله وجوههم، فنُسبت إليه ذنوب ما ارتكبها وأعمال لم يعملها، كل الذي عمله أنه طرد وفد يهود وبصق على ذهبهم وأموالهم وأبى عليهم امتلاك شبر في فلسطين، فرحمه الله وأخزى من افترى عليه، وسامح من صدّق المفترين عن غفلة منه ولا سامح من أيّدهم عن تعمّد وإصرار)، لمّا رأى ذلك عزم على مدّ هذا الخطّ الحديدي وبذل فيه خزائن المال، ورغّب المسلمين بالبذل فمدّوا إليه أكُفّاً مبسوطة بالعطاء.
وشرع بالعمل سنة ١٩٠١، ولم تكفِ التبرّعات فأمر بإحداث طابع مالي يُلصَق على كلّ عريضة وكلّ معاملة رسمية، فدرّ على الخطّ مالاً كثيراً ولكنه قصّر عن إتمامه، فسخّر الجيش العثماني للعمل في مدّ الخطّ، فمات من الجند في سبيله آلاف، حتى قيل إن في كلّ مئة متر منه قبر شهيد.
وصّلوا الخطّ أولاً بخط دمشق-بيروت، وكان خطاً ضيّقاً عرضه ١٠٥ معاشير (المعشار واحد من مئة من المتر؛ أي سانتي) ولا يزال يمشي عليه القطار إلى اليوم، وهو تحفة أثرية لا مثيل لها في الدنيا، ركبت فيه من قديم أنا وإخوتي فوصلنا بيروت في إحدى عشرة ساعة، فقط لا غير! والمسافة لا تزيد إلاّ قليلاً عن المسافة بين مكّة ومطار جدّة الجديد.
لذلك جعلوه أول الأمر خطاً ضيّقاً بعرض خطّ بيروت، وكانت بدايته من مزيريب، ثم جاء المهندس الألماني مايسنر فأوصله إلى دمشق، واستمرّ العمل فيه فبلغ المدينة المنورة سنة