أقدم مساجد الإسلام، صارع النار والدمار وثبت على الأعصار والأدهار، تكسّرَت على جدرانه موجات الزمان وهو قائم كما تتكسّر أمواج البحر على أقدام الصخرة الراسية عند الشاطئ.
ذهبَت أمية بسلطانها ومالها ولبث وحده يخلّد في الدنيا اسم أميّة، فكان أبقى من كل ما نالت أميّة من مال وسلطان. كان معبداً من أكثر من ثلاثة آلاف سنة، تداولته أيدي اليونان والرومان وأقوام كانوا قبلهم نسي التاريخ خبرهم، ثم صار كنيسة للمسيح، ثم انتهى لمحمد ‘ وعلى أخيه المسيح ابن مريم، عبد الله ورسوله، فبقي لأتباع محمد إلى يوم القيامة.
إن ذكرياتي عن رمضان مستقَرّها الجامع الأموي، وأبناؤه وأحفاده: مساجد دمشق. وأين تكون ذكريات رمضان إن لم تكن في المساجد؟ في حلقات العلم والوعظ في المساجد، وفي صفوف المصلّين التي تملأ في رمضان المساجد؟ على أن في المساجد في رمضان ما يأباه الذوق السليم والخلق القويم، هو النوم فيها بين الصلوات. فهل أُنشئت المساجد لترى الناس نائمين فيها مضطجعين بالطول والعرض لا يحترسون من أن يؤذوا الناس؟ أنا لا أنكر أن الاعتكاف عمل مشروع وسنّة متّبَعة، ولكن هذا الذي يصنعه الناس ليس من الاعتكاف المشروع.
إن ذكرياتي عن الأموي لا أكاد أحصيها، منها ما له نظير في غيره ومنها ما لا أعرفه إلاّ فيه. فمن أقدم الذكريات التي نُقشت صورتها في نفسي من عهد الصغر ثريّا ضخمة جداً على هيئة قبّة قطرها نحو أربعة أمتار، ليست من البلور (أي الكريستال) ولا من الصفر أو النحاس، ولكنها قضبان متشابكة من الحديد، إذا رأيتها