للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمامُ الحَجِّ أن تقفَ المطايا ... على خَرقاءَ واضعةِ اللّثام

لقد كانت داره أكبر (أو من أكبر) الدور في جدّة، وكان هو أوجه (أو من أوجه) أهلها. كان من يقصد جدّة من كبار الناس ينزل في داره حين لم يكن في جدّة فندق ولا دار ضيافة، كانت دار الضيافة داره ودور أمثاله، حتى الملك عبدالعزيز رحمه الله لمّا دخل جدّة من نحو ستين سنة نزل فيها، فماذا تقولون في دار تصلح لنزول ملك؟

وبناء هذه الدار له قصة سمعتها منه، ولم أحفظها كاملة لأرويها. ممّا أذكره أنه كلّما فرغت طائفة من البنّائين من عملها (الذين يقيمون الجدران ثم الذين يصلحونها ويصقلونها ثم النجّارون، ولست أعرف الطوائف كلها لأعدّها)، كلّما فرغت طائفة قال جده لكبيرها: ادعُ من شئت من زملاء صنعتك وأهل حرفتك من جدّة ومن مكّة، فيدعوهم ليريهم عمله، ويكون الشيخ قد أعدّ لهم وليمة ضخمة ووزّع عليهم هدايا مناسبة.

وكان من تمام البراعة في بناء هذه الدار أني كنت أدخل غرفة الشيخ فينظر في مهبّ النسيم ويقول: يا ولد، افتح هذا الشبّاك وأغلق هذا الشبّاك ... فلا يزال النسيم رخيّاً في الغرفة والهواء جارياً من غير مروحة. وأحسب هذا من العلم الذي عرفه المسلمون من القديم، فإني لمّا زرت قصر المتوكّل، القصر الجعفري في «سُرّ مَن رأى» سنة ١٩٣٦، وكنّا نشكو الحرّ وتنضح أجسادنا بالعرق وتضيق أنفاسنا من وهج الصيف كأننا ننظر في تنّور، دخلنا القسم الصيفي، أعني أنقاضه الباقية، فوجدنا النسيم

<<  <  ج: ص:  >  >>