عليلاً والهواء متحركاً ينعش النفوس لأنه مبني بناء لا ينقطع فيه جريان الهواء.
اعذروني إن أطلت الكلام عن الشيخ محمد نصيف، فلقد كنت أحبّه وكنت أُجِلّه، ولمّا مات حزنت عليه مثل حزني على أجلّ أساتذتي وأكرم أصحابي. عرفته من سنة ١٣٥٣هـ واتّصل حبلي بحبله حتى توفّاه الله؛ إن قَدِمتُ جدّة فإن أول مكان أقصده بيت الشيخ نصيف، وأنا لا أجيب دعوة ولا أكاد آكل عند أحد، وكنت عنده آكل وأشرب وأنام إن شئت أن أنام. ولقد كان طرازاً وحده، كان رجلاً لا أكاد أعرف له من الرجال نظيراً فيما جمع من المزايا: كان تاريخاً ناطقاً، كان قاموساً للرجال، كانت عنده معلومات لم أجدها بعده في كتاب ولم أجد مثلها عند أحد. كانت في داره مكتبة من أكبر ما عرفت من المكتبات الخاصّة.
ما كنت أزوره مرّة إلاّ وجدت عنده بعض أهل الفضل من المملكة ومن مصر ومن الشام ومن العراق ومن المغرب أدناه وأقصاه، كان له في كلّ بلد إخوان وأصدقاء، كانت داره فندقاً ولكنه أرخص الفنادق، لأن الأكل فيه والنوم بلا شيء، غرف النوم مُعَدّة ما عليها قفل ولا لها أبواب، والمائدة عامرة من شاء حضر الغداء، ولا يُسأل طاعم عن اسمه. كنت كلّما قَدِمت جدّة زرته، لمّا كنت أقدم من الشام قبل أن أقيم في المملكة ولمّا كنت أقدم من مكّة بعدما أقمت فيها. وجدت مرّة عنده رجلاً على الغداء، فلما عُدت بعد أسبوعين وجدتُه، ووجدته بعد شهر، فقلت: من هذا الذي أراه نازلاً عندك؟ فقال: رجل طيّب عرفته في بعض أسفاري إلى لبنان يبدو أن له أعمالاً هنا، لا أعرف اسمه.