للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ماؤها سبيلاً يسقي منه الرعاة مواشيهم. هذه هي مكّة كلها.

كان الحرم كما كان المسجد النبوي، وكما كان (ولا يزال) الجامع الأموي، محجوباً بالبيوت تستره وتحيط به، فمَن أراد أن يخرج من أحد الأبواب ليدخل من الآخر، لفّ ودار ومشى في حارات، إلاّ «باب أجْياد» فكان أمامه شارع لعله كان يومئذ أكبر شوارع مكّة (مع أن عرضه لا يتجاوز ستة أمتار كما أذكر)، وكان يقابله بناء صغير من طبقتين له باب عريض إلى جانبَيه نافذتان وفي الطبقة الثانية مثل ذلك، تمتدّ أمامها شرفة (بلكون) وكان هذا مركز الشرطة، فإن استقبلتَه ومشيت إلى اليسار مررت بأسواق وشوارع صغيرة قليلة تشقّ الأسواق، حتى تصل إلى صخرات ظاهرة هُنّ أصل جبل، فوقها قوس عريض، هذه «المَرْوَة»، يقابلها من جهة الحرم صخرات مثلها، هذا «الصَّفَا». وكانا جبلَين صغيرَين أكلهما الناس، والناس يأكلون كل شيء، حتى الصخر قطّعوه وجعلوه حجارة بنوا بها مساكنهم!

وبين الصفا والمروة كان «المَسعى»، تختلط فيه جماعات الحُجّاج والمعتمرين بالسائرين وبالبائعين والشارين، وكانوا يسعون في وَقْدة الحرّ تحت الشمس فبنى لهم الملك عبد العزيز مظلة تظلّل الطريق قائمة من الجانبَين على أعمدة من الحديد.

وأصررنا على أن ندخل الحرم من باب السلام، فدارت بنا السيارات في الطريق حتى بلغناه، وأذكر أنه كان إلى جنبه حنفيّات للوضوء أو ما يشبه هذا. ألم أقل لكم إنه لم يبقَ في ذهني إلاّ بقايا من الصورة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>