للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أني إذا رجعت أخاف أن أندم لأني لن أجد إخواني ولا أقراني، إنهم سبقوني إلى الغاية التي تدنيني الأيام منها.

وما نفع الأوطان وقد خَلَت من الإخوان وبدّلها صَرْفُ الزمان وتتابُع الحَدَثان؟ هل أقوم فيها إلاّ مقام الشاعر الذي يخاطب الأطلال يسائلها عمّن مضى من الأحباب؟ ينادي فلا يسمع إلاّ صدى النداء:

ناديتُ: أينَ أحبّتي ... فأُجِبتُ: أينَ أحبّتي

* * *

كان أول ما رأيت من مكّة بقايا «البيبان» (أي الأبواب)، ثم الثكنة (القشلة)، كانت هي نهاية البلدة للخارج منها وأولها للقادم عليها، ما كانت «الزاهر» ولا «الزهراء»، ولا كان شيء من هذه الأحياء، كانت كلها أرضاً خلاء، ثم تمرّ في طرق ملتوية حتى تصل إلى الحرم، ما كان شارع المنصور ولا شارع الستين ولا شارع الحفاير. وكانت مكّة تنتهي من الجهة الأخرى عند مسجد الجنّ عند عمارة البريد، وكانت صخرة «كُداء» المطلة على مقبرة «المُعَلّى» قائمة كاملة ما قُطعت ليمرّ فيها شارع الحُجون إلى العُتَيْبَة، ولا كانت العتيبة.

ما بعد عمارة البريد، أعني موضعها لا ذاتها، إلاّ مقاهٍ بلدية، ثم بيت السقاف الذي شَرُفنا فيه بمقابلة الملك عبد العزيز رحمه الله. أما الجامعة وحيّ العزيزية وما قام الآن بعده من أحياء فلم يكن منها شيء إلاّ «حَوْض البَقَر»، وهو حوض يسيل إليه الماء من قناة العين على يسار الخارج من مكّة على سفح الجبل،

<<  <  ج: ص:  >  >>