للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد خرجت عن الخطّ فعفوكم. كنت أقول إن الشيخ ياسين كان يفتتح الكلام ثم أكون أنا الناطق عن الوفد، وإن كانت خطبةٌ ومنبر كنت أنا -على مقدار طاقتي- لها.

خرجت من لقاء نائب الملك، أي الفيصل، وأنا ممتلئ القلب إكباراً له، لسعة اطّلاعه وسداد منطقه ومعرفته بالدنيا، وأنه يقول الكثير بالألفاظ القليلة، مع أنه كان يومئذ شاباً (كان رحمة الله عليه أكبر مني بثلاث سنوات).

ثم كان لقاؤنا بالملك عبد العزيز؛ كان ينزل في بيت السقّاف، هكذا كانوا يسمّون القصر الذي ينزل فيه. وما هو بالقصر الفخم، ما هو إلاّ بيت واسع مثل بيوت أوساط الناس. وأنا أخشى مثل هذا اللقاء، وأشعر أن مقابلة مئة ألف من وراء المنبر أهون عليّ من غشيان مجلس لا أعرف أهله معرفة كاملة تزيح الكلفة وتمحو الوحشة. فكيف دخلت على الملك؟ أنا هنا من عشرين سنة في عزلة كاملة ما زرت أميراً ولا وزيراً، وإن فعلت أجد أني أخجل خجل ابن ثماني سنين وأنا على عتبة الثمانين، فإن صرت داخل المجلس سَهُل الأمر وانطلق اللسان، فكيف -إذن- دخلت على الملك؟ لقد سَهّل الأمرَ عليّ أني لم أكُن وحدي، وأني كنت أعرف عن الملك الكثير، وكنت أكتب إليه ويتفضّل فيجاوبني. جرّأني على الكتابة إليه شيخنا الشيخ بهجة، وكنّا نجعل عنوان الرسالة: «إلى جلالة الملك عبد العزيزبن عبد الرحمن الفيصل آل سعود»، ما كنت أطلب شيئاً لنفسي، كانت رسائلي كلها في أمور فيها مصلحة للناس ورضا لله، أو وساطة لأصحاب حقّ، وكان يأتيني جوابه الكريم في كلّ مرّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>