للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخلنا مجلس الملك فقام لنا، وكان يقوم للداخل، وذلك قبل أن يثقل عليه ألم رُكبته ويتخذ الكرسي ذا الدواليب الذي أهداه إليه روزفلت. وجعلنا نحضر مجلسه كل يوم فلحظت أن له مقعداً خاصاً به، لا يختلف عن بقية المقاعد لكن لا يقعد عليه غيره. وكنّا نحضر عنده درساً، لا، ليس درساً بل قراءات جهرية؛ يُنصَب كرسي لشيخ يوضع له مصباح إلى جنبه، فيقرأ صفحات من كتاب في التفسير والحاضرون يستمعون، وربما علق الملك نفسه على بعض ما قرأ القارئ. وقد لحظت أنه يحفظ كثيراً من الأحاديث ومن أقوال الأئمة، وقد يشترك بعض الحاضرين فلا يمنعهم، ومنهم من يعارض رأيه فيناقشه الملك ويفرّع أوجه الرد فيقول: أولاً، ثانياً، ثالثاً ... ويقيم أمامه ستاراً من الحُجَج ومن الأدلّة. وكنّا نكلّم الملك في غير موعد القراءة ونحدّثه، فإذا رأيته منطلق الأسارير سُقت إليه الطرائف المناسبة ممّا أحفظ (وكنت أحفظ من الأخبار والأسمار والأشعار ما هو أكثر من الكثير، أيام كانت مطالعاتي مستمرّة وذاكرتي غضّة قوية). وقد رويت له من النوادر ما أضحكه مرتين، ولكني إن وجدت وجهه منقبضاً تبدو عليه بوادر الغضب سكتّ كما يسكت غيري. ولم أرَه غضبان وقد أقمنا في مكّة نحو أسبوعين نزور مجلسه كلّ يوم، ولكن سمعت أنه إن غضب كان غضبه مروّعاً.

ورأيت أولاد الملك صفاً عن يمينه، على ترتيب أعمارهم، ورأيتهم إن جاء أمير منهم تنحّى له من هو أصغر منه ولو بأسبوع حتى يأخذ مكانه بحسب عمره. وكان يدخل عليه من الناس من شاء، وكان أهل البادية يدعونه باسمه: "والله يا عبد العزيز كان

<<  <  ج: ص:  >  >>