كذا" ... ولا عجب، فهذه هي سنّة العرب، ما كانوا يقولون "يا فخامة أمير المؤمنين" بل يا عمر، بل كان الأعرابي يدخل مجلس الرسول ‘ فيسأل: أيّكم محمد؟
كانوا يعرضون شكاواهم فيقضي فيها، وربما قال للشاكي: رُح للشرع، أي أنه يأمره بمراجعة القاضي. ثم يقوم ونقوم معه إلى الطعام، على سماط مبسوط على الأرض. والطعام الأصلي الرز واللحم، ولكنّ على المائدة ألواناً من الطّبيخ، وليس للمائدة مُصطلَح (أي بروتوكول)، فمن شبع قام وقعد غيره مكانه، ولكني وجدت الملك لا يقوم حتى يحسّ أنهم شبعوا جميعاً. وكان من عجيب أمر الملك أنه أوتي بَسطة في الجسم، فهو طويل عريض المنكبَين إن مشى مع الناس ظهر كأنه راكب وهم مُشاة، وكان أكله -مع ذلك- قليلاً جداً، لا أعلم كيف كان يكفيه هذا الأكل القليل!
لقد كان الملك عبد العزيز رجلاً من أفذاذ الرجال: ذكاء فطري يصغر أمامه كبار الأذكياء، وفكر نيّر يطوي أفكار العلماء، وقدرة نادرة على سرعة الفهم والقدرة على الإفهام، يدرك مُرادَك قبل أن تُتمّ كلامك، ويلخّص في جُمَل معدودات ما يحتاج إلى محاضرات، شهد روزفلت أنه فهم منه في مجلس واحد عن قضية فلسطين ما لم يفهمه من كبار الساسة في سنين، تواضُع ولِين حين يَحْسُنُ اللين وشدّة حين لا ينفع إلاّ الشدّة، خبير بنقد الرجال ومعرفة معادنهم. رحمه الله فلقد كان أحد عباقرة التاريخ.