للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد الباشوات العسكريين، ويبدو أنه كان أهوج طيّاشاً لا يعرف الحكمة ولا يحسن تدبير الأمور، فنصب مدافعه ووجّه رشّاشاته وأمر بإطلاق النار على الحُجّاج وهم بلباس الإحرام، فسقط منهم خمسة وعشرون قتيلاً، وأربعون من الإبل ومن الدواب أصابها الرصاص.

وسمع الملك وهو في سرادقه الصوت، فأقبل يعدو حتى وقف بين الفريقَين لا يبالي بالرصاص، يمدّ ذراعيه ينادي: أنا عبدالعزيز، أنا عبد العزيز ... فلما رآه قائد الحامية المصرية أمر بوقف إطلاق النار. وراح الملك يهدّئ الأمور، وأمر ولده فيصلاً (الملك فيصلاً رحمه الله) فأخذ قطعة من الجيش السعودي فأحاطت بالجنود المصريين لمنعهم من ارتكاب حماقة أخرى ولحمايتهم من الناس، حتى إذا أتموا مناسكهم رحل بهم محروسين إلى جدّة حتى ركبوا البحر سالمين.

وغضب الملك فؤاد فقطع العلاقات مع المملكة أكثر من سنتين، ولكن الملك عبد العزيز ما قطع من جهته موصولاً ولا نسي أخوّة ولا قابل إساءة بإساءة. كل ما صنعه أن أنكر هذا المنكَر الذي كان إنكاره حقاً ومنْعُه واجباً أكيداً، فمنع المحمل، فانقطع بحمد الله من تلك السنة. وكانت كسوة الكعبة تُصنَع في مصر وتُرسَل منها، فلما قطعتها حكومة مصر يومئذ (ومنعت وصول ريع أوقاف الحرمَين إلى أصحابه) كان جواب الملك عبد العزيز ما يُرى لا ما يُسمع؛ فأمر بصنع الكسوة في المملكة. وصُنِعت على عجل، ثم حُسّنت صناعتها وارتقَتْ يوماً بعد يوم حتى أنشئ لها مصنع في جَرْوَل، ثم فُتح هذا المصنع الكبير في مدخل مكّة

<<  <  ج: ص:  >  >>