للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستمهلت لأفكّر، وخرجت إلى ساحة المرجة ووقفت في زاويتها الغربية وأنا في عالَم آخر، أرى الداخلين إلى سينما غازي والمارّين في المرجة أمامي كأني أرى شخوصاً تمرّ بي في المنام. هل أقبل أم أرفض؟ هل أبقى عمري كله معلّم أولاد أم أستغلّ هذه الفرصة التي جاءت هي إليّ وهبطَت عليّ؟ لقد كنت كالمغامر بماله كله، إما أن يزيده ضعفَين أو أن يخسره كله. تارة أقول لنفسي: وهل الحياة إلاّ مغامرة؟ وهل يستكين ويرضى بالأقلّ إلاّ الخامل؟ وتارة أقول: أنا مكلَّف بإخوتي ما لهم بعد الله غيري، فهل أدع الطريق المسلوك الآمن ولو كان طويلاً ضيّقاً، وأسلك المفازة وأقتحم العقبة رجاء أن أجد وراءها كنزاً أو أن أصيب غنيمة؟

ولست أدري كم وقفت أفكر حتى مرّ بي صديق نسيت اسمه، وأنا آسف لنسيانه لكنني أتصوره، وإذا أجهدت ذهني ذكرتُه. سلّم عليّ وكان من أقرب أصدقائي، فتردّدت: هل أخبره أم أفارقه؟ ثم ذكرت أنه عاقل وأنه كاتم للسر، وأنه محبّ لي راغب في نصحي، فلما سألني: ما لك؟ ما شأنك؟ خبّرته واستكتمته وسألته رأيه. ففكّر وقال: إنك كمن يبيع غداءه ويشتري ورقة يانصيب، فإمّا أن يربح فيتغدى من ربحه السّنة كلها غداء أفضل من هذا الغداء وإما أن يبقى جائعاً. ثم إني أعرفك؛ إنك لا تستطيع أن تسلك طريقاً لا يطمئنّ إليه قلبك ولا يرتضيه ضميرك، فهل يريح قلبَك أن تعمل مع مثل الشعباني، ولطالما كتبتَ أنت بقلمك تردّ عليه وعلى جريدته؟ إنك ستتركه بعد شهرَين على أبعد تقدير وتخرج بلا وظيفة ولا عمل، فدعها.

<<  <  ج: ص:  >  >>