تصوّروا حالي وأنا لم أعرف ما الموضوع، والأفندي لم يُفهِمني شيئاً قط، وما جئت إلاّ أملاً بمساعدة منه بنقلي إلى مدرسة أخرى أستريح فيها. ففوجئت بما لم أتوقع ولم أنتظر، وتردّدتُ، هل أقول له:"إني لا أعرف شيئاً عن الموضوع الذي تشير إليه" فيكون قولي تكذيباً أو شبه تكذيب للشيخ سليمان، أم أسكت. وركّزت ذهني كله وحصرت انتباهي لعلّي أمسك طرف الخيط فأعرف عمّ يتكلم وإلامَ يشير. وقلت: إني أستمهل معاليك لأفكر، ولكن أحب أعرف شيئاً عن التفاصيل. فقال: سيكون العمل في دمشق لا في حلب، وإن شئت بقيت في وظيفتك وكان عملك معنا انتداباً، وإن شئت تركتها ولم تأسف على تركها. وستكون حُراً في التحرير إلاّ في الأمور التي هي من سياسة الدولة، أو التي هي من أغراض الجريدة الأساسية.
وهذا الكلام الذي ألخّصه الآن في ثلاثة أسطر بقيتُ على أشدّ حالات التنبه وتركيز الذهن ربع ساعة حتى فهمتُه من كلامه؛ تكلّم ربع ساعة حتى فهمت من الكلام هذه الأسطر القليلة.
لقد كان الشعباني صاحب جريدة «الأهالي»، وهي جريدة مكروهة تصدر في حلب، تمشي مع الفرنسيين وتُعارض الوطنية وأهلها. فهمت أنه يريد نقلها إلى دمشق وإصدارها باستعداد ضخم، لتكون لسان الحكومة كما كانت «الأيام» من قبل لسان الوطنيين، ويريد أن أتولّى أنا تحريرها كما كنت أتولّى في جريدة «الأيام» سنة ١٩٣١ ما يشبه إدارة التحرير. وأشار إلى أني سأُعطى مرتّباً لمّا بيّنه لم أصدّق سمعي، لأنه كان يُعَدّ في تلك الأيام مبلغاً كبيراً جداً.