ذكرياتي، لا أؤلف تاريخاً، لذلك أذكر ما يدخل في نطاق هذه الذكريات.
وجئت في الموعد. وكان الدخول إلى السراي في تلك الساعة ممنوعاً، ولكن الحرّاس من الشرطة أذنوا لمّا عرفوا اسمي لأن الشيخ كان قد خبّرهم بأمري، وكان يومئذ وزيراً. وصعدت إلى البهو الكبير المُطلّ على النهر لألقى فيه الشيخ الجوخدار، وفوجئت برئيس الجمهورية محمد علي بك العابد، وهو ابن أحمد عزّة باشا العابد الذي كان الرجل الأول من العرب في قصر السلطان عبد الحميد وكان أوجه العرب في ذلك الدور. وكان معه الوزير شاكر نعمة الشعباني ووزراء آخرون، وكانوا -كما بدا لي- في اجتماع لمجلس الوزراء انفضّ قبل قليل.
وأنا أرتبك في مثل هذه المقابلات وأتضايق وأودّ لو وجدت مهرباً منها، ولكن لم يكن بد من السلام على رئيس الجمهورية، فقابلني ببِشْره المعهود، وسلّمت على من عرفت من الوزراء، وأوصلني إلى الشعباني، وكانا قد انتحيا ناحية من البهو فقال له: هذا فلان، عني. وأثنى على ذكائي وفصاحة لساني وقوّة قلمي، وأمثال ذلك ممّا يَسهُل على قائله أن يُفيض فيه ولكن يصعب أن يرويه الممدوح بفيه، فاعذروني إن رويته بلساني. رحّب الشعباني بي وقال لي: لقد أفهمك معالي الأفندي (وكنّا نطلق على أصحاب المناصب من المشايخ لقب «الأفندي»، فيقولون قاضي أفندي ومفتي أفندي، وذلك من مصطلحات الأتراك)، قال لي: لقد أفهمك الموضوع فما رأيك؟