تأخذ بعقب أختها؟ امسح بإصبعك جزءاً من خطّ سيرها تَرَها قد اضطربَت وحارت وماج بعضها في بعض؛ ذلك أنّ كل نملة تُفرِز شيئاً له رائحة تهتدي برائحته التي بعدها، فإذا مسحتَ الخطّ وزالت هذه المادّة ضلّت طريقها. كذلك الإنسان في حياته: عندما يعترض طريقه الذي يمشي فيه شيء يبقى حيران، لا يدري أيّ مسلك يسلك ومن أين يمشي.
لقد وقع لي مثل ذلك وأنا معلّم، أتنقّل بين القرى ثم بين المدارس في دمشق، أجد المصاعب والمتاعب أريد مَنْجى منها، فقابلت العالِم الجليل المعمَّر الشيخ سليمان الجوخَدار (وسأتحدّث عنه حين أتحدّث إن شاء الله عمّن عرفت من الرجال)(١)، وكان شيخ أبي، وكان مفتي الشام من قبل الحرب الأولى بأزمان. فسألني عن حالي فشكوت ما أنا فيه، فقال لي: قابلني غداً في السراي (أي في قصر الحكومة المُطلّ على بردى) بعد العصر في غير أوقات الدوام الرسمي لأعرّف بك الأستاذ الشعباني.
وكان الشعباني وزير المالية يومئذ قد أُعطيَ سلطات واسعة، فأصدر قرار التنسيق المشهور الذي اعتبر جميع الموظفين مُسَرَّحين، أي شبه معزولين، إلاّ من يصدر قرار جديد بتثبيته، وكان لذلك رجّة في الشام لا أدري هل دوّن أحدٌ قصّتها أم ضاعت فيما ضاع من أخبار تاريخنا القريب. أمّا أنا فأكتب
(١) تجدون الحديث عنه في الصفحات الأولى من مقالة «مع بعض مشايخي» في كتاب «رجال من التاريخ» (مجاهد).