فالكريم هو الكريم بمزاياه وبأعماله، لا بأهله ولا بآله ولا بثروته ولا بماله:«إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
* * *
أرأيتم الضالّ في الصحراء يمشي وحيداً حائراً قد هدّه الجوع وبرّح به العطش، والشمس تتلظّى أشعّتها ناراً والرمال تتسعّر جمراً، ثم وجد الواحة الخضراء فيها الظلّ والماء، وفيها النخيل المحمّل بالتمر، وفيها الحياة وفيها النعيم؟ هذا مثال الحجّ في هذه الأيام التي فسدت فيها الأرض كلّها أو جلّها وضلّ أكثر أهلها طريق الفلاح.
أرأيتم السجين في الحبس المغلَق الفاسد الهواء الكريه الرائحة، الذي يخنق من يكون فيه حتى لا يدع له نفَساً يطلع أو ينزل، ثم تُفتح له نافذة على الروض المُزهِر يهبّ منها النسيم رقيقاً ناعشاً، يحمل معه العطر والزهر؟ هذا مثال نَفَحات الحرم في هذه الأيام التي زَكَمَت فيها الأنوفَ وخَنَقَت القلوبَ روائحُ الإلحاد والفساد. إن العالَم يجوز مثل عهد الجاهلية بل شراً من عهد الجاهلية: إلحاد في الدين، وتنكّر للعدالة، وحياة كحياة وحش الغاب.
وكما انبثق نور التوحيد من هنا من الحرم أول مرّة، فأزاح الكفر وأقرّ العدل ونقل الناس من الوحشية إلى الحضارة الخيّرة والمدنية الفاضلة، يعود الحرم بالحجّ فيصلح مرّة ثانية ما فسد من الأمر.