لأحد على أحد. كانت لقريش (أي الحُمْس) امتيازات جعلوها لأنفسهم، فلا يقفون خارج الحرم ولا يخرجون من مزدلفة حتى تشرق الشمس على جبل ثَبير، فجاء الإسلام فقرّر إلغاء هذه الامتيازات وإزالة هذه الفوارق، وأصدر قانونه الإلهيّ (هو أمر الله): {ثُمَّ أفيضُوا مِنْ حَيثُ أفاضَ النّاسُ}؛ لا ميزة لأحد على أحد، حتى الرسول ‘ حجّ كما يحجّ الناس (بل حجّ الناس كما حجّ) لمّا قال: «خذوا عني مناسككم»، علّمهم أحكام الحجّ وحجّ معهم أو حجّوا معه، كما علّمهم أحكام الصلاة ثم صلّى أمامهم وقال:«صلّوا كما رأيتموني أصلّي». كان أعظم معلّم يعلّم تعليماً نظرياً وتعليماً عملياً.
لو كان يجوز أن يحضر هذا الموقفَ غيرُ مسلم لاقترحت على الأمم المتحدة أن توفد مَن يدّعي المساواة ومحاربة العنصرية والتمييز بين الناس ليرى هذا المشهد الذي لم تُبصِر عين الشمس مثيلاً له! مشهد متفرّد ما رأى أحدٌ ولن يرى مثله.
من هنا أعلن محمد ‘ حقوق الإنسان قبل أن تُعلنها الثورة الفرنسية بأكثر من ألف عام، أعلنها عملاً سبَق القول وأعلنوها قولاً ما بعده عمل! لمّا وقف في حجّة الوداع في أكبر جمع إسلامي كان على عهده ‘، فقرّر حصانة الدماء والأموال والأعراض وحرمة التعدّي عليها، وأن الناس سواء: ربّهم واحد وأبوهم واحد «كلّكم لآدم وآدم من تراب»، فلا يتكبّرْ متكبّر ولا يَسْتَعْلِ مُستعلٍ، فما خلق الله واحداً من التبر وواحداً من الطين بل الكل من التراب وإلى التراب، ثم إلى موقف الحساب، ثم إلى الثواب أو العقاب. ألغى شرف النسب والمال والجاه الموروث،