للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِمْرَانَ فَهَبَطُوا عَلَيْهِ لَا يُشْبِهُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الَّذِينَ مَرُّوا بِهِ قَبْلَهُمْ أَلْوَانُهُمْ كَلَهَبِ النَّارِ، وَسَائِرُ خَلْقِهِمْ كَالثَّلْجِ الْأَبْيَضِ أَصْوَاتُهُمْ عَلِيَّةٌ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ لَا يُقَارِبُهُمْ شَيْءٌ مِنْ أَصْوَاتِ الَّذِينَ مَرُّوا بِهِ قَبْلَهُمْ، فَاصْطَكَّتْ رُكْبَتَاهُ وَأَرْعَدَ قَلْبُهُ وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ فَقَالَ لَهُ خَيْرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَأْسُهُمْ: يَا ابْنَ عِمْرَانَ اصْبِرْ لِمَا سَأَلْتَ فَقَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مَا رَأَيْتَ.

ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ أَنِ اهْبِطُوا فَاعْتَرِضُوا عَلَى مُوسَى فَهَبَطُوا عَلَيْهِ لَهُمْ سَبْعَةُ أَلْوَانٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مُوسَى أَنْ يُتْبِعَهُمْ بَصَرَهُ، لَمْ يَرَ مِثْلَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعْ مِثْلَ أَصْوَاتِهِمْ فَامْتَلَأَ جَوْفُهُ خَوْفًا وَاشْتَدَّ حُزْنُهُ وَكَثُرَ بُكَاؤُهُ، فَقَالَ لَهُ خَيْرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَأْسُهُمْ: يَا ابْنَ عِمْرَانَ مَكَانَكَ حَتَّى تَرَى بَعْضَ مَا لَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ.

ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ أَنِ اهْبِطُوا عَلَى عَبْدِي الَّذِي طَلَبَ لِيَرَانِي، فَهَبَطُوا عَلَيْهِ فِي يَدِ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ مِثْلَ النخلة الطويلة، نار أَشَدَّ ضَوْءًا مِنَ الشَّمْسِ، وَلِبَاسُهُمْ كَلَهَبِ النَّارِ إِذَا سَبَّحُوا وَقَدَّسُوا جَاوَبَهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ من ملائكة السموات، كُلُّهُمْ يَقُولُونَ بِشِدَّةِ أَصْوَاتِهِمْ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْعِزَّةِ أَبَدًا لَا يَمُوتُ، فِي رَأْسِ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، فَلَمَّا رَآهُمْ مُوسَى رَفَعَ صَوْتَهُ يُسَبِّحُ مَعَهُمْ [حِينَ سَبَّحُوا] (١) وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: رَبِّ اذْكُرْنِي وَلَا تَنْسَ عَبْدَكَ لَا أَدْرِي أَأَنْفَلِتُ مِمَّا أَنَا فِيهِ أَمْ لَا؟ إِنْ خَرَجْتُ احْتَرَقْتُ وَإِنْ مَكَثْتُ مِتُّ، فَقَالَ لَهُ كَبِيرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَأَسُهُمْ: قَدْ أَوْشَكْتَ يَا ابْنَ عِمْرَانَ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكَ وَيَنْخَلِعَ قَلْبُكَ فَاصْبِرْ لِلَّذِي سَأَلْتَ.

ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُحْمَلَ عَرْشُهُ فِي مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَلَمَّا بَدَا نُورُ الْعَرْشِ انْفَرَجَ الْجَبَلُ مِنْ عَظَمَةِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، ورفعت ملائكة السموات أَصْوَاتَهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ: سُبْحَانَ الْقُدُّوسِ رَبِّ الْعِزَّةِ أَبَدًا لَا يَمُوتُ بِشِدَّةِ أَصْوَاتِهِمْ، فَارْتَجَّ الْجَبَلُ وَانْدَكَّتْ كُلُّ شَجَرَةٍ كَانَتْ فِيهِ وَخَرَّ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مُوسَى صَعِقًا عَلَى وَجْهِهِ لَيْسَ مَعَهُ رَوْحُهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ الرُّوَحَ فَتَغَشَّاهُ، وَقَلَبَ عَلَيْهِ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مُوسَى وَجَعَلَهُ كَهَيْئَةِ الْقُبَّةِ لِئَلَّا يَحْتَرِقَ مُوسَى، فَأَقَامَهُ الرُّوحُ مِثْلَ اللَّامَةِ، فَقَامَ مُوسَى يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَقُولُ آمَنْتُ بِكَ رَبِّي وَصَدَّقْتُ أَنَّهُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ فَيَحْيَا، مَنْ نَظَرَ إِلَى مَلَائِكَتِكَ انْخَلَعَ قَلْبُهُ فَمَا أَعْظَمَكَ وَأَعْظَمَ مَلَائِكَتَكَ أَنْتَ رَبُّ الْأَرْبَابِ وَإِلَهُ الْآلِهَةِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَلَا يَعْدِلُكَ شَيْءٌ وَلَا يَقُومُ لَكَ شَيْءٌ، رَبِّ تُبْتُ إِلَيْكَ الْحَمْدُ لَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ مَا أَعْظَمَكَ وَمَا أَجَلَّكَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قَالَ ابْنُ عباس: ظهر ١٣٧/أنُورُ رَبِّهِ لِلْجَبَلِ، جَبَلِ زُبَيْرٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ نُورِ الْحُجُبِ مِثْلَ مَنْخَرِ ثَوْرٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ: مَا


(١) ساقط من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>