للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَمُهُنَّ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يَعْنِي اغْتَسَلْنَ {فَأْتُوهُنَّ} أَيْ فَجَامِعُوهُنَّ {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} أَيْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ مِنْهُ، وَهُوَ الْفَرْجُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ، وَقَالَ ابن عباس: طؤوهن فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ أَيِ اتَّقُوا الْأَدْبَارَ، وَقِيلَ {مِنْ} بِمَعْنَى {فِي} أَيْ فِي حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْفَرْجُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ" (٩-الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ {فَأْتُوهُنَّ} الْوَجْهَ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تَأْتُوهُنَّ وَهُوَ الطُّهْرُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: مِنْ قِبَلِ الْحَلَالِ دُونَ الْفُجُورِ، وَقِيلَ: لَا تَأْتُوهُنَّ صَائِمَاتٍ وَلَا مُعْتَكِفَاتٍ وَلَا مُحْرِمَاتٍ: وَأْتُوهُنَّ وَغِشْيَانُهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِمَّا مَنَعَهُ الْحَيْضُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ إِلَّا تَحْرِيمُ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا بِاللَّيْلِ وَنَوَتِ الصَّوْمَ فَوَقْعَ غُسْلُهَا بِالنَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهَا، وَالطَّلَاقُ فِي حَالِ الْحَيْضِ يَكُونُ بِدْعِيًّا، وَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ وَهِيَ عِدَّةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وطاووس: إِذَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا جَازَ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ.

وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّحْرِيمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ جَوَازَ وطئها بشرطين: ٣٦/أبِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَالْغُسْلِ، فَقَالَ {حَتَّى يَطْهُرْنَ} يَعْنِي مِنَ الْحَيْضِ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يَعْنِي اغْتَسَلْنَ {فَأْتُوهُنَّ} وَمَنْ قَرَأَ يَطَّهَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ فَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ: الْغُسْلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا" (٦-الْمَائِدَةِ) أَيْ فَاغْتَسِلُوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} قَالَ عَطَاءٌ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَالْكَلْبِيُّ: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَاتِ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الشِّرْكِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّوَّابِينَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ لَا يَعُودُونَ فِيهَا وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنْهَا لَمْ يُصِيبُوهَا، وَالتَّوَّابُ: الَّذِي كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا" (٢٥-الْإِسْرَاءِ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا ابْنُ الْمُنَادِي أَنَا يُونُسُ أَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يَقُولُ أَدْبِرْ وَأَقْبِلْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ (١) .


(١) أخرجه الترمذي: في التفسير، وقال: هذا حديث حسن غريب ٨ / ٣٢٤ والإمام أحمد عن ابن عباس ١ / ٢٩٧ وعزاه المباركفوري لأبي داود وابن ماجه، انظر تحفة الأحوذي ٨ / ٣٢٤ وابن كثير ١ / ٤٦٣. وعزاه السيوطي أيضا لعبد بن حميد والنسائي وأبي يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والبيهقي والضياء. انظر: الدر المنثور: ١ / ٦٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>