للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشَقَّةٌ قَصَرَ الْمُسَافِرُ وَأَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ وَالصَّبِيُّ لَا يَسْلُكُ بِهِ وَلِيُّهُ إلَّا سَبِيلَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا لِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا إلَّا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ فَالْأَبُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ مَعَهُ لِمَالِهِ فِي صُحْبَتِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ حُسْنِ النَّظَرِ وَلِكَمَالِ شَفَقَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ بَعْدَهُ لِمَا عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ وَغَيْرُ الْأَبِ لَا يَخْرُجُ بِهِ إذَا وَجَدَ مَنْ يُكَلِّفُهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ خَافَ ضَيْعَتَهُ حَمَلَهُ وَنَفَقَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ إذَا سَافَرَ لِمَصْلَحَتِهِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ مَصْلَحَةٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ لَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهَا عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَعَ وَلِيِّهِ انْتَهَى.

وَقَالَ قَبْلَهُ: لَا يَحُجُّ بِالصَّبِيِّ إلَّا وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَمَنْ لَهُ النَّظَرُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فَكَانَ أَمْرُهُ لِمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي مَالِهِ وَذَلِكَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَوَلِيُّ الْحَاكِمِ وَلَوْ كَانَ فِي كَفَالَةِ أَحَدٍ بِغَيْرِ إيصَاءٍ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيَّةِ مِنْ الْأَعْرَابِ تَأْخُذُهُمْ السَّنَةُ فَيَضُمُّهَا الْإِنْسَانُ وَيُرَبِّيهَا وَيُرِيدُ تَزْوِيجِهَا مَنْ أَنْظَرَ لَهَا مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ تَحْتَ جَنَاحِ أَبِيهِ وَخَالِهِ وَعَمِّهِ وَأَخِيهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ انْتَهَى.

(قُلْت) قَوْلُهُ: " يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ " يَعْنِي إذَا خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فَلَا يَحُجُّ بِهِ إلَّا الْأَبُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى: إنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا فَلَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ إنْ خَافَتْ ضَيْعَتَهُ بَعْدَهَا وَنَصُّ الْمَسْأَلَةِ وَشَرْحُهَا، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْوَالِدَةِ أَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ جَوَازُهُ لِلْأُمِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمَرْأَةِ وَلَكِ أَجْرٌ، وَلَمْ يَقُلْ وَلِوَلِيِّهِ وَلَا شَرْطُهُ فِي إحْرَامِ الصَّبِيِّ وَبِهِ احْتَجَّ مَالِكٌ فَإِنَّ الَّذِي رُفِعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُحِفَّةِ إنَّمَا رَفَعَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ. وَلَمْ تَذْكُرْ أَنَّ مَعَهُ وَالِدُهُ قَالَ: فَإِذَا أَحْرَمَتْ أُمُّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَازَ الْإِحْرَامُ فَأَرَى كُلَّ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ يَجُوزُ لَهُ مَا جَازَ لِلْأُمِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّ الْوَلَدَ فِي كَفَالَةِ أُمِّهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي حِجْرِ وِصَايَتِهَا وَلِأَنَّ لِلْأُمِّ أَخْذُ النَّفَقَةِ مِنْ الْأَبِ وَتَصْرِفُهَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَتَنْظُرُ فِي بَعْضِ شَأْنِهِ فَكَانَ نَظَرُهَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ جَائِزًا كَنَظَرِهَا فِي غَيْرِهِ بِمَا يَصْلُحُ شَأْنُهُ إلَّا أَنَّ الْأُمَّ لَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ إنْ خَافَتْ ضَيْعَتُهُ بَعْدَهَا انْتَهَى.

(قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ لَا تُسَافِرُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ لِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّفَقَةِ كَالْأَبِ بَلْ هِيَ أَعْظَمُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فَلَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَيَنْظُرُ الْوَلِيُّ لِلصَّبِيِّ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَنْ يُسَافِرُ بِهِ، إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ.

(قُلْت) وَهَذَا كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ السَّفَرُ بَعِيدًا مِمَّا تَسْقُطُ بِهِ الْحَضَانَةُ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَرِيبًا فَيَجُوزُ لِلْأُمِّ أَنْ تَخْرُجَ بِهِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَضَانَةِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا حُكْمُ إحْرَامِهِ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ وَلَيٌّ عَنْ رَضِيعٍ.

(الثَّانِي) تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِالصَّبِيِّ يَضْمَنُ لَهُ مَا أَكْرَى لَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: كِرَاءُ الدَّابَّةِ عَلَى مَنْ سَافَرَ بِهِ إلَّا قَدْرَ كِرَاءِ بَيْتِهِ فِي مُدَّةِ سَفَرِهِ إنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بِالْكِرَاءِ انْتَهَى.

وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ كَانَ كِرَاءُ الصَّبِيِّ وَنَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ قَدْرَ نَفَقَتِهِ فِي الْإِقَامَةِ ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْكِرَاءَ أَدْخَلَتْهُ فِي السَّفَرِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْكِرَاءِ وَعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ فِيمَا طَرَأَ فِي السَّفَرِ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِ الصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِثْلَ أَنْ يَغْرَقَ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ إذْ لَا صُنْعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>