للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ: يَعْنِي أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُهُ بِأَوَائِلِ دَرَجَاتِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَذَلِكَ يَجْمُلُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رُكْنٍ آخَرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَرْتَفِضُ فَقَامَ لِذَلِكَ الرُّكْنُ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْجَمْعِ، وَلَا يُرَاعَى احْتِمَالُ الْفَوَاتِ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَذَلِكَ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَعَادَ فِعْلُهُ إلَى عَدَمِ الْعُمْرَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ عَلَى مَا رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَسَدَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَوَاتِ وَالْفَسَادِ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْتَ:) إذَا كَانَ هَدْيُ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يُنْحَرُ بِمِنًى إنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ أَوْ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَمَا فَائِدَةُ الْوُجُوبِ هُنَا (قُلْتُ:) يَظْهَرُ فِي جَوَازِ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْهَدْيُ حِينَئِذٍ مَعَ كَوْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّقْلِيدِ لَكَانَ تَقْلِيدُهُ إذْ ذَاكَ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا قَلَّدَ بَعْدَ كَمَالِ الْأَرْكَانِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ طَرِيقَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، وَالثَّانِيَةَ لِلَّخْمِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّهُ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى: أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْوُجُوبِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ، وَالْحُكْمُ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَفِي مَسْأَلَةِ الْفَوَاتِ، وَالْمَذْهَبُ: سُقُوطُ الدَّمِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ وَمُرَاعَاةُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ قَدْ أَجَازَهُ ابْنُ قَاسِمٍ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَلْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بَلْ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ إذَا سَاقَ فِي عُمْرَتِهِ هَدْيًا تَطَوُّعًا، وَلَمْ يَنْحَرْهُ فِيهَا، وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَنَحَرَهُ عَنْ مُتْعَتِهِ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: لَا يُجْزِئُهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْحَرَهُ، وَلَا يُؤَخِّرَهُ وَنَحْوُ هَذَا مَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَانِ، وَهِيَ مَا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتِ الْحَجِّ إنَّ ذَلِكَ الْهَدْيَ يُجْزِئُهُ لِقِرَانِهِ وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي: وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقِرَانِهِ كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا فِيمَا إذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَحِلِّهِ

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمَا قَبْلَ وُجُوبِهِمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ لِلْحُكْمِ بِوُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ فَائِدَةٌ نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَا قَلَّدَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وُجُوبًا غَيْرَ مُتَحَتِّمٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِالْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ، فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، كَمَا نَقُولُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: إنَّهَا تَجِبُ بِالْعَوْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وَطَلَاقِهَا، فَإِنْ وَطِئَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ، وَلَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ طَلَّقَهَا

أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ فَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ نَحْرُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ فَسَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْكَبِيرِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ الْمَذْكُورِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي تَقْدِيمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَقَالَ فِي الْوَسَطِ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرَ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَاقْتَصَرَ فِي الصَّغِيرِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ، فَذِكْرُهُ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِإِخْرَاجِ الْهَدْيِ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ لَا سِيَّمَا كَلَامُهُ فِي الْوَسَطِ، أَمَّا الْبِسَاطِيُّ فَلَمْ يُفَسِّرْ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، نِنُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْفُرَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>