للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامِ ابْنِ مُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ التَّادَلِيِّ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَتَوْضِيحِهِ قَالَ فِي مَنْسَكِهِ وَلِكَوْنِ الشَّاذَرْوَانِ مِنْ الْبَيْتِ قَالُوا يَنْتَبِهُ عِنْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ إلَى نُكْتَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَطُوفُ، وَهُوَ مُطَأْطِئُ الرَّأْسِ بَلْ يُثَبِّتُ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَطُوفُ؛ لِأَنَّهُ إنْ طَافَ مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ يَكُونُ قَدْ طَافَ بَعْضَ الطَّوَافِ، وَبَعْضُهُ فِي الْبَيْتِ انْتَهَى.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَنَاسِكِ: ثُمَّ يَرْجِعُ أَيْ: يَرْجِعُ قَائِمًا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ يَرْجِعُ إلَى جِهَةِ خَلْفِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فَيُؤْذِي الطَّائِفِينَ بِذَلِكَ، كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيِّ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا قَبَّلَ الْحَجَرَ فَلْيُثَبِّتْ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعْ قَائِمًا، كَمَا كَانَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَبِّلَهُ ثُمَّ يَمْشِيَ، وَهُوَ مُطَأْطِئُ الرَّأْسِ لِئَلَّا يَحْصُلَ بَعْضُ الطَّوَافِ، وَلَيْسَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْتَبِهْ لَهَا وَطَافَ، وَرَأْسُهُ أَوْ يَدُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ أَنَّ طَوَافَهُ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، فَإِنْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ بِالْقُرْبِ عَادَ، وَمَشَى ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَإِنْ أَكْمَلَ الْأُسْبُوعَ فَيَبْطُلُ ذَلِكَ الشَّوْطُ، وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ تَرَكَ جُزْءًا مِنْ طَوَافِهِ.

(قُلْتُ:) ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَاحَظَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ، وَأَنَّ مِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ لِذَلِكَ حَتَّى بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِالرُّجُوعِ لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي الشَّاذَرْوَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ - لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ -: فَهَذِهِ الدَّقِيقَةُ تَغِيبُ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَلَا يَتَنَبَّهْ أَحَدٌ لَهَا، وَلَا نَبَّهَ حَتَّى نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ هَذَا لَمِنْ الْبَعِيدِ الْقَصِيِّ فِي الْغَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: إنَّ هَذَا لَمِنْ الْأَمْرِ الْبَعِيدِ الَّذِي لَا تَسْكُنُ إلَيْهِ نَفْسُ عَاقِلٍ انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَبَّابُ: وَقَدْ حَذَّرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّاذَرْوَانِ، وَذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِهِمْ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ، كَمَا قَالُوا لَحَذَّرَ مِنْهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ، فَتَرْكُهُمْ ذِكْرَهُ دَلِيلٌ أَنَّ مِثْلَهُ مُغْتَفَرٌ وَالتَّوَقِّي مِنْهُ أَوْلَى، أَمَّا أَنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ فَبَعِيدٌ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنْهُ عِنْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ مُعْتَبَرًا لَنَبَّهَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلٍ، وَلَا فِعْلٍ، وَلَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى النَّقْلِ وَلَيْتَ مَنْ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ يَقِفُ عِنْدَ مَا قَالُوهُ بَلْ يَزِيدُ بَعْضُ الْمُتَنَطِّعِينَ مِنْهُمْ فَيَتَأَخَّرُ خُطْوَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى جِهَةِ وَرَائِهِ بَعْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ فَرُبَّمَا آذَى مَنْ خَلْفَهُ بِتَأَخُّرِهِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ)

ش: مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الطَّوَافِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ طَافَ خَارِجَهُ لَمْ يُجْزِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ:) وَمِثْلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مَنْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الطَّوَافُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَوَلَاءٌ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ الْمُوَالَاةُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الطَّوَافِ، فَإِنْ فَعَلَ ابْتَدَأَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ لِضَرُورَةٍ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ تُقَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ انْتَهَى.

وَهَذَا فِي التَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ، أَمَّا فِي التَّفْرِيقِ الْيَسِيرِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّهُ مُغْتَفَرٌ قَالَ: وَيُوَالِي بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ وَالسَّعْيِ، فَإِنْ فَرَّقَ الطَّوَافَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا أَوْ يَكُونَ لِعُذْرٍ، وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ، فَإِنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ تَوَضَّأَ وَاسْتَأْنَفَ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ سَوَاءٌ اُنْتُقِضَتْ طَهَارَتُهُ تَعَمُّدًا أَوْ غَلَبَةً انْتَهَى.

وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَيْضًا بِأَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يُفْسِدُ الطَّوَافَ، وَنَصُّهُ: الطَّائِفُ يَخْرُجُ لِلْمَكْتُوبَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَفْسُدُ بِالتَّفْرِيقِ الْيَسِيرِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ انْتَهَى.

ثُمَّ قَالَ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ أَشْهَبَ: إنَّهُ يَبْنِي إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، وَجْهُهُ أَنَّهُ عِبَادَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>