لَا يُفْسِدُهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مَعَ الذِّكْرِ فِي حَالٍ فَلَا يُنَافِيهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ لِفِعْلٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وُجُوبُهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ بِنَاؤُهُ انْتَهَى.
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ الْبِنَاءُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ طَوِيلٌ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا خَرَجَ لِنَفَقَةٍ نَسِيَهَا: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَبْتَدِئُ، وَلَمْ يُفَصِّلْ، هَلْ طَالَ أَوْ قَصَرَ؟ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ: إنْ لَمْ يَطُلْ بَنَى، وَهُوَ أَعْذَرُ مِنْ الَّذِي خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ، وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ يَبْنِي فِي يَسِيرِ التَّفْرِيقِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَكِنْ يُكْرَهُ مِنْهُ مَا لَا يَكُونُ لِعُذْرٍ وَحَاجَةٍ وَيُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبْتَدِئَ أَيْ: وَلَمْ يَجْرِ فِيهِ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مَعَ الذِّكْرِ لِمَا جَاوَزَهُ لِلْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَيَجْزِي فِي يَسِيرِ التَّفْرِيقِ فِي الْعَمْدِ عَلَى حُكْمِ الطَّهَارَةِ لَا عَلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْمَاءِ فِي الطَّوَافِ لِمَنْ يُصِيبُهُ ظَمَأٌ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) الظَّاهِرُ: أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَبْتَدِئُ إذَا خَرَجَ لِنَفَقَةٍ نَسِيَهَا إنَّمَا يُرِيدُونَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، أَمَّا مَنْ نَسِيَ نَفَقَةً أَوْ شَيْئًا فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ مِنْ الطَّوَافِ وَأَخَذَهُ فَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ طَوَافُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَبْعًا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفَ فِي الطَّوَافِ لَحْظَةً لَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ طَوَافُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْوُقُوفُ لِلْحَدِيثِ فِي السَّعْيِ وَالطَّوَافِ أَشَدُّ مِنْهُ بِغَيْرِ وُقُوفٍ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ أَشَدُّ انْتَهَى.
مِنْ التَّادَلِيِّ فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يَبْطُلُ بِهِ الطَّوَافُ، وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ص (وَابْتَدَأَ إنْ قَطْعَ الْجِنَازَةَ وَنَفَقَةً)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَطَعَ طَوَافَهُ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ قَطَعَهُ لِطَلَبِ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْحُكْمِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ قَطْعِ الطَّوَافِ لِذَلِكَ أَمَّا الْجِنَازَةُ فَلَا شَكَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْقَطْعِ لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَا يَقْطَعُ لِجِنَازَةٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: الْخِلَافُ فِي الْبِنَاءِ لَا فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ لِلْجِنَازَةِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا انْتَهَى.
وَانْظُرْ لَوْ تَعَيَّنَتْ الْجِنَازَةُ وَخَشِيَ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرَ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ الْقَطْعُ، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَلَاءٌ، وَفِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَإِذَا قُلْنَا: يَقْطَعُ إذَا تَعَيَّنَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَبْنِي أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، أَمَّا الْقَطْعُ لِنَفَقَةٍ إذَا نَسِيَهَا، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْخُرُوجِ لِلنَّفَقَةِ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَخْرُجُ إلَّا لِصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا بِالْبِنَاءِ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْجِنَازَةِ: وَلَوْ قَالُوا بِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلنَّفَقَةِ لَكَانَ أَظْهَرَ، كَمَا أَجَازُوا قَطْعَ الصَّلَاةِ لِمَنْ أُخِذَ لَهُ مَالٌ لَهُ بَالٌ، وَهَذَا أَشَدُّ حُرْمَةً وَجَعَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخِلَافَ فِي الْقَطْعِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ اهـ وَجَزَمَ فِي مَنَاسِكِهِ بِمَا بَحَثَهُ فِي تَوْضِيحِهِ فَقَالَ: وَيَقْطَعُ إذَا نَسِيَ نَفَقَتَهُ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ لَا يَبْنِي عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى.
، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ الْقَطْعُ فِيمَنْ خَرَجَ لِلنَّفَقَةِ إنَّمَا هُوَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، كَمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَلَاءٌ.
ص (أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ)
ش: يُرِيدُ وَطَالَ الْأَمْرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، أَمَّا إنْ تَذَكَّرَ بِأَثَرِ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا طَافَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَاعْتِرَاضُهَا فِي التَّوْضِيحِ بِمَا ذَكَرْنَا وَنَصُّهُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَمَّلَ سَعْيَهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ عَلَى الْمَشْهُورِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ إذَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ سَعْيِهِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَبْتَدِئُ إذَا طَالَ أَمْرُهُ بَعْدَ إكْمَالِ سَعْيِهِ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ سَنَدٌ: إنْ قِيلَ: كَيْفَ يَبْنِي بَعْدَ فَرَاغِ السَّعْيِ، وَهَذَا تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ يَمْنَعُ مِثْلُهُ الْبِنَاءَ فِي