طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ زِحَامٍ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَيُجْزِئُهُ، وَلَا دَمَ فِي هَذَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النُّكَتِ اخْتِلَافَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَابْنِ شَبْلُونٍ، هَلْ يَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ لَا عَلَى مَا ذَكَرْتُ عَنْهُمَا انْتَهَى.
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِ النُّكَتِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ سُقُوطَ الدَّمِ، وَلَا وُجُوبَهُ، أَمَّا ابْنُ يُونُسَ، فَإِنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَ أَبِي مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ يُجْزِئُهُ مَعَ الدَّمِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَافَ رَاكِبًا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ، وَنَقَلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بِنَفْيٍ، وَلَا إثْبَاتٍ، وَنَصُّهُ: وَلَا يَطُوفُ فِي الْحِجْرِ، وَلَا مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَلَا فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ مِنْ زِحَامٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ فَعَلَ اخْتِيَارًا أَوْ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ أَعَادَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يُجْزِئُهُ إنْ كَانَ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ قَالَ أَشْهَبُ: وَهُوَ كَالطَّائِفِ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا: لَا يُجْزِئُ الطَّائِفُ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، كَمَا حَالَتْ أُسْطُوَانَاتُ السَّقَائِفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ انْتَهَى.
فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ فَضْلًا عَنْ لُزُومِ الدَّمِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ وُجُوبُ الدَّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ حُكْمَهُ حُكْمَ الطَّوَافِ فِي السَّقَائِفِ، وَخَرَّجَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي الطَّوَافِ فِيهَا وَنَصُّهُ: وَلَا يُطَافُ فِي الْحِجْرِ، وَلَا مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَلَا فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ مِنْ زِحَامٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ فَعَلَ اخْتِيَارًا أَوْ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ أَعَادَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يُجْزِئُهُ إنْ كَانَ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ قَالَ أَشْهَبُ: وَهُوَ كَالطَّائِفِ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا: لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، كَمَا حَالَتْ أُسْطُوَانَاتُ السَّقَائِفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ انْتَهَى.
وَرَدَّهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّ زَمْزَمَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُؤَثِّرُ كَالْمَقَامِ وَحَفْرٍ فِي الْمَطَافِ، وَنَصُّهُ: وَخَرَّجَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الطَّوَافَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ عَلَى مَنْعِ أَشْهَبَ فِي السَّقَائِفِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ زَمْزَمَ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ عَارِضٌ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِينَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَقَامِ، وَحَفْرٍ فِي الْمَطَافِ؛ لِأَنَّ زَمْزَمَ فِي حِيَالَتِهِ كَأُسْطُوَانَاتِ السَّقَائِفِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ زَمْزَمَ فِي جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَأَنَّهُ عَارِضٌ عَرَضَ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الطَّائِفِينَ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالْمَقَامِ وَكَخَشَبِ الْوَقِيدِ وَكَحَفْرٍ فِي الْمَطَافِ وَشِبْهِ ذَلِكَ بِخِلَافٍ الْأُسْطُوَانَاتِ الدَّائِرَةِ بِالسَّقَائِفِ، فَإِنَّهَا كَالْحَاجِزِ الدَّائِرِ الْخَارِجِ عَنْ سِلْكِ الطَّائِفِينَ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ بِاخْتِصَارٍ وَنَصُّهُ، قَالَ سَنَدٌ: وَخَرَّجَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ عَلَى مَنْعِ أَشْهَبَ فِي السَّقَائِفِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ زَمْزَمَ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ عَارِضٌ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِينَ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالْمَقَامِ أَوْ حَفْرٍ فِي الْمَطَافِ انْتَهَى.
وَعَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ لِلْقَرَافِيِّ وَتَبِعَ اللَّخْمِيَّ فِي إلْحَاقِ زَمْزَمَ بِالسَّقَائِفِ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَاقْتَصَرَا عَلَى مَا قَالَهُ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا، وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ حَكَى فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَجَعَلَ الْأَشْهَرَ مِنْهُمَا اللُّحُوقَ، فَقَالَ: دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لَا مِنْ وَرَائِهِ، وَلَا مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَشِبْهِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ إلَّا مِنْ زِحَامٍ انْتَهَى.
، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ انْتَهَى.
فَقَالَ: وَأَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ بِهَا أَيْ: بِالسَّقَائِفِ مَا وَرَاءَ زَمْزَمَ وَرَدَّهُ سَنَدٌ بِأَنَّ زَمْزَمَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَشِبْهِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ إلَّا مِنْ زِحَامٍ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى.
وَسَبَقَهُ إلَى الْإِنْكَارِ الْمَذْكُورِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَذْكُورِ، قَالَ ابْنُ هَارُونَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ نَفَى الْإِجْزَاءَ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ عَائِدٌ عَلَى زَمْزَمَ وَشِبْهُهُ وَشِبْهُ زَمْزَمَ قُبَّةُ الشَّرَابِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ عَلَى مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ كَلَامِهِ، وَانْظُرْ كَيْفَ شَهَّرَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِي زَمْزَمَ وَشِبْهِهِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ عَلَى