مَا نَقَلَ ابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَلِكَوْنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَى زَمْزَمَ خَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي السَّقَائِفِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
(قُلْتُ:) مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَخَرَّجَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَتَبِعَهُمْ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ زَمْزَمَ حُكْمُ السَّقَائِفِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ عَلَى مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحِلِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي جَوَازِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْزِئُ مَعَ الْعُذْرِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُجْزِئُ انْتَهَى.
(الثَّانِي:) فُهِمَ مِنْ احْتِجَاجِ سَنَدٍ بِجَوَازِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ لِكَوْنِهَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْمَقَامِ أَنَّ الطَّوَافَ مِنْ خَلْفِ الْمَقَامِ لَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الطَّوَافُ مِنْ خَلْفِ الْأَسَاطِينِ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ الطَّوَافِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ:) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي شِبْهِ زَمْزَمَ أَنَّهُ كَقُبَّةِ الشَّرَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَوَجَبَ كَالسَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ) ش لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَكَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الطَّوَافَ الرُّكْنِيَّ فِي الْحَجِّ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ يَجِبُ فِي الْحَجِّ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ وَيُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَحِلَّهُ قَبْلَ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ مَعَهُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ فَأَفَادَ كَلَامُهُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّوَافَ وَاجِبٌ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ إيقَاعُهُ قَبْلَ عَرَفَةَ فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَاجِبًا فَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَقَبَلُوهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الْوُجُوبَ وَزَعَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّ إطْلَاقَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ لَفْظَهُ مَعَ تَكْرَارِهِ لِذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ الَّتِي اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيهَا فَمِنْهُمْ مِنْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْوُجُوبِ وَبَعْضُهُمْ بِالسُّنَّةِ وَالتَّحْقِيقُ فِيهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَأَنَّ فِي إطْلَاقِ السُّنَّةِ عَلَيْهَا مُسَامَحَةً، كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَفِي الْكِتَابِ الَّذِي جَمَعْتُهُ فِي الْمَنَاسِكَ الْمُسَمَّى هِدَايَةُ السَّالِكِ الْمُحْتَاجِ إلَى بَيَانِ أَفْعَالِ الْمُعْتَمَرِ وَالْحَاجِّ، وَفِي قَوْلِهِ: وَجَبَ إشَارَةٌ إلَى الْمُغَايِرَةِ بَيْنَ هَذَا الطَّوَافِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ، وَهَذَا وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، أَمَّا كَوْنُهُ يَجِبُ إيقَاعُهُ قَبْلَ عَرَفَةَ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَكَذَا إيقَاعُ السَّعْيِ بَعْدَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ مَحِلُّهُمَا اتِّفَاقًا فَمَنْ تَرَكَهُ أَوْ تَرَكَ تَقْدِيمَ السَّعْيِ بَعْدَهُ، وَكَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ، وَلَيْسَ بِمُرَاهِقٍ، وَلَا حَائِضٍ، وَلَا نَاسٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي سُقُوطِ الدَّمِ قَوْلَيْنِ، وَعَزَا السُّقُوطَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِاللُّزُومِ لِابْنِ الْجَلَّابِ وَالْأَبْهَرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيِّ وَالتُّونُسِيِّ نَاسِيهِ كَعَامِدِهِ انْتَهَى.
وَفِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ لُزُومُ الدَّمِ وَصَرَّحَ ابْنُ الْجَلَّابِ بِأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَ، وَإِنْ تَرَكَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ نَاسِيًا، وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ يَعْنِي أَنَّهُ غَيْرُ مُرَاهِقٍ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقِ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ.
ص (إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَتَعْجِيلُ السَّعْيِ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ إذَا خَرَجُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute