للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، فَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَسَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْحَرَمِ، وَذَكَرَ سَنَدٌ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قِتَالَ الْحَاصِرِ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ قِتَالِ الْحَاصِرِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : مَحِلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْدَءُوا الْحَاصِرَ بِالْقِتَالِ، فَإِذَا بَدَأَ بِهِ جَازَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قِتَالُ الْحَاصِرِ الْبَادِئِ بِهِ جِهَادٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَفِي قِتَالِهِ غَيْرَ بَادِئِهِ نَقْلَا سَنَدٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ ابْنِ شَاسٍ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ إنْ كَانَ الْحَاصِرُ بِغَيْرِ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ بِهَا، فَالْأَظْهَرُ نَقْلُ ابْنِ شَاسٍ لِحَدِيثِ إنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ وَقَوْلِ ابْنِ هَارُونَ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ قِتَالِ الْحَاصِرِ، وَأَظُنُّ أَنِّي رَأَيْتُهُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا نَصًّا، وَقَدْ قَاتَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عُقْبَةَ يُرَدُّ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ وَعُقْبَةَ بَدَآ بِهِ وَكَانُوا يَطْلُبُونَ النَّفْسَ وَنَقْلُهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا أَعْرِفُهُ إلَّا قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ إنْ ثَارَ بِهَا أَحَدٌ، وَاعْتَدَى عَلَى اللَّهِ قُوتِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: ١٩١] انْتَهَى.

(قُلْت) قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ إنْ كَانَ الْحَاصِرُ بِغَيْرِ مَكَّةَ يُرِيدُ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْحَرَمِ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ قِتَالِهِ، وَاعْتِرَاضُهُ عَلَى ابْنِ هَارُونَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَ عَنْ سَنَدٍ جَوَازَهُ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ جَوَازَهُ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي وَكَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ كَافٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَأَمَّا حَدِيثُ إنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَيُجَابُ عَنْهُ وَعَمَّا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ الْقِتَالِ بِهَا بِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ يَحْرُمُ نَصْبُ الْقِتَالِ وَقِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ صَلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ هَكَذَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ (الثَّانِي) : قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الْقِتَالِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْقُوَّةُ وَالْكَثْرَةُ لِلْمُسْلِمِينَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَثْرَةُ لِلْكُفَّارِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِينَ فَتْحُ قِتَالِهِمْ إذْ رُبَمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى وَهْنٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الصَّادُّونَ مُسْلِمِينَ فَهُمْ فِي الْقِتَالِ كَالْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ ظَلَمَةٌ بَاغُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَلَّلُوا، وَلَا يُقَاتِلُوهُمْ، وَلَا يَقْتُلُوا الْحُجَّاجَ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْحُجَّاجُ أَقْوَى انْتَهَى.

(الثَّالِثُ) : قَالَ سَنَدٌ: إذَا بَذَلَ الْحَاصِرُ الْكَافِرُ الطَّرِيقَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، فَإِنْ وَثِقُوا بِعُهُودِهِمْ لَمْ يَتَحَلَّلُوا، وَإِنْ خَافُوا جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ، وَقَالَ: فِي الْحَاصِرِ الْمُسْلِمِ إذَا بَذَلُوا التَّخْلِيَةَ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، فَإِنْ وُثِقَ بِقَوْلِهِمْ لَزِمَ الْمُضِيُّ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَثِقُوا تَثَبَّتُوا حَتَّى يَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ.

(الرَّابِعُ) : قَالَ سَنَدٌ: إنْ رَأَوْا أَنْ يُقَاتِلُوا الصَّادِّينَ جَازَ لَهُمْ لُبْسُ الدُّرُوعِ وَالْجَوَاشِنِ وَالْجَآذِرِ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ كَمَا فِي لِبَاسِ الْمُحْرِمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ انْتَهَى

(الْخَامِسُ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَمَّا حُكْمُ قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى تَحْرِيمِ قِتَالِهِمْ مَعَ بَغْيِهِمْ، وَأَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ الْبَغْيِ، وَرَأَوْا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: ٩] وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ إلَّا بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَحِفْظُ حَقِّهِ فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مُضَاعًا فِيهِ نَقَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَنْ الْإِكْمَالِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ السِّلَاحَ بِمَكَّةَ» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَمْلِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ وَحَاجَةٌ إلَيْهِ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَشَذَّ مِنْ الْجَمَاعَةِ عِكْرِمَةُ فَرَأَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَهُ إذَا احْتَاجَ الْفِدْيَةَ وَلَعَلَّ هَذَا فِي الدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ وَشَبَهِهِمَا، فَلَا يَكُونُ خِلَافًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْكَافَّةِ إنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، إنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» فَخُصَّ بِمَا لَمْ يُخَصَّ بِهِ غَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي بَابِ الْجِهَادِ: وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>