للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفْسِ وَالْمَنْعَ مِنْ الْمُوَاعَدَةِ وَالنِّكَاحِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ " سِرًّا " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَسُفْيَانُ لَا يَأْخُذُ مِيثَاقَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ.

وَقِيلَ: السِّرُّ الزِّنَا اللَّخْمِيُّ: وَلَيْسَ بِحَسَنٍ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ فِي الْعِدَّةِ وَفِي غَيْرِهَا وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ التَّعْرِيضِ، وَالْمُوَاعَدَةُ أَنْ يَعِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَهِيَ مُفَاعَلَةٌ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ وَعَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَهَذِهِ الْعِدَةُ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُوَاعَدَةِ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْكَرَاهَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُوَاعَدَةُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: تُكْرَهُ فِي الْعِدَّةِ ابْتِدَاءً إجْمَاعًا ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تَجُوزُ وَظَاهِرُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ: النِّكَاحُ وَالْمُوَاعَدَةُ فِي الْعِدَّةِ مَمْنُوعَانِ حُرْمَتُهَا وَرِوَايَتُهَا الْكَرَاهَةُ انْتَهَى.

يَعْنِي أَنَّ جَعْلَ اللَّخْمِيُّ النِّكَاحَ وَالْمُوَاعَدَةَ مَمْنُوعَيْنِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْمُوَاعَدَةِ فِي الْعِدَّةِ، وَرِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْمَنْعِ.

ص (كَوَلِيِّهَا)

ش: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمُجْبِرِ لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ: وَمُوَاعَدَتُهَا كَوَلِيِّهَا إنْ كَانَ مُجْبِرًا وَإِلَّا كُرِهَ وَبِذَلِكَ قَطَعَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: وَإِنْ وَاعَدَ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَهِيَ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا فَهُوَ وَعْدٌ لَا مُوَاعَدَةٌ فَلَا يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ وَلَا يَقَعُ بِهِ تَحْرِيمٌ إجْمَاعًا، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّ مُوَاعَدَةَ الْمُجْبِرِ وَغَيْرِهِ مَمْنُوعَةٌ كَظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَاعِدَ وَلِيُّهَا دُونَ عِلْمِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَمْلِكُ أَمْرَهَا وَفِي تَعْلِيقَةِ أَبِي حَفْصٍ مُوَاعَدَةَ الْوَلِيِّ الَّذِي يُكْرِهُهَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الَّذِي يَعْقِدُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَرِهَتْ، لَيْسَ الَّذِي لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا وَلِابْنِ رُشْدٍ: إنْ وَاعَدَ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَهِيَ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا؛ فَهُوَ وَعْدٌ لَا مُوَاعَدَةٌ فَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَلَا يَقَعُ بِهِ تَحْرِيمٌ إجْمَاعًا وَفِيهَا كَرِهَ مَالِكٌ مُوَاعَدَةَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي تَزْوِيجِ وَلِيَّتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ، أَوْ وَفَاةٍ فَظَاهِرُهَا كَابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ: وَمُوَاعَدَةُ الْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ كَمُوَاعَدَةِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا وَلِيٌّ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهَا فَمَكْرُوهٌ وَلَمْ أَفْسَخْهُ انْتَهَى.

فَحَاصِلُهُ أَنَّ مُوَاعَدَةَ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ كَمُوَاعَدَةِ الْمَرْأَةِ، وَفِي مُوَاعَدَةِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ لِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ ظَاهِرِهَا عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَالْجَوَازُ لِأَبِي حَفْصٍ وَالْكَرَاهَةُ لِابْنِ الْمَوَّازِ مَعَ ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ زِنًا)

ش: لَوْ قَالَ: وَإِنْ مِنْ زِنًا لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ أَنْوَاعَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ الزَّانِيَ بِهَا، أَوْ زَنَى بِهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ الزِّنَا وَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فُسِخَ النِّكَاحُ قَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَةً كَانَ زَنَى بِهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَالنِّكَاحُ يُفْسَخُ أَبَدًا وَلَيْسَ فِيهِ طَلَاقٌ وَلَا مِيرَاثٌ وَلَا دِيَةُ وَفَاةٍ وَالْوَلَدُ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا حَقَّ فِيمَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ حَيْضَةٍ إنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا وَمَا كَانَ قَبْلَ حَيْضَةٍ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا لَا يُلْحَقُ بِهِ انْتَهَى.

(فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) هَلْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ كَانَتْ مُسْتَبْرَأَةً مِنْ زِنَا غَيْرِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِالتَّأْبِيدِ لِمَالِكٍ وَبِهِ أَخَذَ مُطَرِّفٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّأْبِيدِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُسْتَبْرَأَةً مِنْ زِنًا فَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَنَصُّ مَا فِي الْأَجْوِبَةِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، ثُمَّ إنَّهُمَا تَنَاكَحَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ مِنْ الْمَاءِ الْفَاسِدِ وَتَوَالَدَا أَوْلَادًا، ثُمَّ إنَّهُمَا تَفَرَّقَا بِطَلَاقٍ وَتَرَاجَعَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ تَفَارَقَا ثَانِيَةً بِطَلَاقٍ ثَانٍ، ثُمَّ اتَّهَمَا أَنْفُسَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>