مِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَيُعْلَمُ مَآلًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَمَآلًا كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرُهُ هُنَاكَ (فَرُوعٌ. الْأَوَّلُ) قَالَ فِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إنَّهَا طَالِقٌ سَاعَتَهُ إذْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ الْجَنَّةَ مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَاوَى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ يَحْلِفَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ حَتْمًا، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ وَلَا يَخْلُو الْحَالِفُ عَلَى هَذَا مِنْ أَنْ يُرِيدَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ لَا يُخَلَّدُونَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ فَتَعْجِيلُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ وَذَكَرَ وَجْهَ ظُهُورِهِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ الَّذِينَ لَا يُخَلَّدُونَ فَالْمَعْنَى فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَعْدَ أَيْمَانِهِ فَالْحَالِفُ عَلَى هَذَا حَالِفٌ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الثُّبُوتِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ حَالِفٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي هَذَا أَيْضًا وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ يَمِينَهُ تُحْمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَيُحْمَلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيُعَجَّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَيُحْمَلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الْجَنَّةَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَوْلُ اللَّيْثِ وَابْنِ وَهْبٍ بِنَاءً عَلَى حَمْلِ قَوْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَا يَتَأَوَّلُ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا حَمَلَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجِبَا طَلَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ إلَى الْإِرْجَاءِ، انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَنَّ ابْنَ سَحْنُونٍ يَقُولُ: إخْبَارُ الْمَرْءِ عَنْ إيمَانِ نَفْسِهِ جَزْمٌ فَقَطْ وَابْنُ عَبْدُوسٍ يُجِيزُ تَقْيِيدَهُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْإِخْبَارِ عَمَّنْ سَمِعَ لَفْظَ إيمَانِهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ مُطْلَقًا أَوْ بِقَيْدِ قَوْلِهِ إنْ وَافَقَتْ سَرِيرَتُهُ عَلَانِيَتَهُ قَوْلًا ابْنُ التَّبَّانِ وَالشَّيْخُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ مَسْأَلَةٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرِ قِيلَ لِمَالِكٍ أَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ وَاَللَّهُ مَحْمُودٌ أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ: قُلْ مُؤْمِنٌ وَلَا تَقُلْ مَعَهَا غَيْرَهَا مَعْنَاهُ لَا تَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: يَجُوزُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَجِبُ فِيهِ الْجَزْمُ وَلَا جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: بَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِ وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُسْتَقْبَلَ وَهُوَ مَجْهُولٌ حُصُولُ الْإِيمَانِ فِيهِ أَوْ يُرِيدَ يَقَعُ الْإِيمَانُ الْحَاضِرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْحُصُولِ أَوْ يَكُونُ لِلتَّبَرُّكِ لَا لِلتَّعْلِيقِ، انْتَهَى.
الثَّانِي، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ: وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ عَمَّنِ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا يَمُوتُ إلَّا عَلَى الْإِسْلَامِ إدْلَالًا عَلَى كَرَمِ الْكَرِيمِ هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا جَوَابُهَا إذَا كَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَعْدَ إيمَانِهِ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ إسْلَامِهِ فَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى إسْلَامِهِ الْبُرْزُلِيُّ وَسَكَتَ عَنْ مُرَادِهِ إنْ قَصَدَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ أَوْ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْمَشْهُورُ الْحِنْثُ وَقِيلَ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ وَيَثْبُتَ لَهُ دَلِيلٌ بِالْأَحَادِيثِ مِثْلُ حَلِفِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى عَدَالَتِهِ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّصَوُّفِ أَنَّ بَعْضَ أُمَرَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ حَلَفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَاسْتَفْتَى الْفُقَهَاءَ فَأَفْتَوْهُ بِالْحِنْثِ إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ، قَالَ لَهُ: عَرَضَ لَكَ مَعْصِيَةٌ قَطُّ وَتَرَكْتُهَا لِوَجْهِ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ وَاعَدْتُ امْرَأَةً لِأَفْعَلَ بِهَا فَلَمَّا تَحَصَّلَتْ لِي وَهَمَمْتُ بِالْفِعْلِ خِفْتُ مِنْ اللَّهِ وَتَرَكْتُ شَهْوَتِي، فَقَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: ٤٠] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٤١] وَرَأَيْتُ فِيهِ أَيْضًا فِي رَجُلٍ صَعَدَ لِشَجَرَةٍ عُرْيَانًا فَحَلَفَ آخَرُ أَنَّكَ لَا تَنْزِلُ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute