للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَجُوزُ غَسْلُ الْإِنَاءِ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَبُّدِ لَا يَنْبَغِي غَسْلُ الْإِنَاءِ بِهِ إذَا وَجَدَ غَيْرَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَقِيلَ إنَّهُ يَغْسِلُ الْإِنَاءَ بِهِ كَمَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ الْإِنَاءَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ أَنْ يُغْسَلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَاءِ وَيَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنْ يُغْسَلَ مِنْ مَاءٍ غَيْرِهِ قَدْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ، انْتَهَى.

وَقَالَ سَنَدٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْإِنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ فَإِنْ غَسَلَهُ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بِهِ يُجْزِيهِ فَمَا يَصِحُّ بِهِ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ بِهِ غَسْلُ الْإِنَاءِ، وَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ نَجِسٌ يَقُولُ إنَّهُ لَا يُجْزِيهِ انْتَهَى.

وَفِي التَّوْضِيحِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ بِهِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ فَلْيُرِقْهُ وَيَغْسِلْهُ سَبْعًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ تَعَبُّدًا إلَّا لِلنَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) فَارَقَ سُؤْرُ الْكَلْبِ سُؤْرَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْهُ سَبْعًا وَفِي إرَاقَتِهِ وَكَرَاهَةِ الْوُضُوءِ بِهِ وَإِنْ عُلِمَتْ طَهَارَتُهُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ إنْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَةُ فَمِهِ فَلَا يُرَاقُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ سُؤْرَهُ أَخَفُّ مِنْ سُؤْرِ غَيْرِهِ وَأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ.

ص (تَعَبُّدًا)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْغَسْلَ الْمَذْكُورَ تَعَبُّدٌ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ لِطَهَارَةِ الْكَلْبِ وَقِيلَ لِقَذَارَتِهِ، وَقِيلَ: لِنَجَاسَتِهِ وَعَلَيْهِمَا فَكَوْنُهُ سَبْعًا قِيلَ: تَعَبُّدًا وَقِيلَ لِتَشْدِيدِ الْمَنْعِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ نُهُوا فَلَمْ يَنْتَهُوا قَبْلَهُ وَهَذَا غَيْرُ لَائِقٍ بِالصَّحَابَةِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْإِسْلَامُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَشْدِيدِ الْمَنْعِ وَكَوْنِهِمْ نُهُوا فَلَمْ يَنْتَهُوا أَنَّ الْأَوَّلَ تَشْدِيدُ ابْتِدَاءٍ وَالثَّانِيَ تَشْدِيدٌ بَعْدَ تَسْهِيلٍ وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ كَوْنَ الْمَنْعِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ كَلْبًا فَيَكُونَ قَدْ دَاخَلَ مِنْ لُعَابِهِ الْمَاءَ مَا يُشْبِهُ السُّمَّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ تَحْدِيدُهُ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّ السَّبْعَ مِنْ الْعَدَدِ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ التَّدَاوِي لَا سِيَّمَا فِيمَا يُتَوَقَّى مِنْهُ السُّمُّ، وَقَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ» ، وَقَالَ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ» ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَرُدَّ عَلَيْهِ بِنَقْلِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ الْكَلْبَ يَمْتَنِعُ مِنْ وُلُوغِ الْمَاءِ، وَأَجَابَ حَفِيدُهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَمَّا فِي أَوَائِلِهِ فَلَا.

(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ التَّعَبُّدَ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا مَعَ أَنَّا نَجْزِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حِكْمَتِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَاهُ جَالِبًا لِلْمَصَالِحِ دَارِئًا لِلْمَفَاسِدِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: إذَا سَمِعْت نِدَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ إنَّمَا يَدْعُوكَ لِخَيْرٍ أَوْ يَصْرِفُكَ عَنْ شَرٍّ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ وَالنَّفَقَاتِ لِسَدِّ الْخَلَّاتِ وَأَرْشِ جَبْرِ الْجِنَايَاتِ الْمُتْلِفَاتِ وَتَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسُّكْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ صَوْنًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَنْسَابِ وَالْعُقُولِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ عَنْ الْمُفْسِدَاتِ وَيُقَرِّبُ لَك مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِثَالٌ فِي الْخَارِجِ: إذَا رَأَيْنَا مَلِكًا عَادَتُهُ يُكْرِمُ الْعُلَمَاءَ وَيُهِينُ الْجُهَّالَ ثُمَّ أَكْرَمَ شَخْصًا غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ عَالِمٌ فَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إذَا شَرَعَ حُكْمًا عَلِمْنَا أَنَّهُ شَرَعَهُ لِحِكْمَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَتْ لَنَا فَنَقُولُ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فَنَقُولُ هُوَ تَعَبُّدٌ انْتَهَى.

ص (بِوُلُوغِ كَلْبٍ مُطْلَقًا لَا غَيْرِهِ) . ش يَعْنِي أَنَّ الْغَسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ سَبَبُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فَقَطْ فَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يُغْسَلْ خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ عِنْدَنَا تَعَبُّدٌ وَعِنْدَهُ لِلنَّجَاسَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ غَالِبُ ظَنِّي أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ قَالَ سَنَدٌ: لَا يَتَنَزَّلُ إدْخَالُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مَنْزِلَةَ الْوُلُوغِ، وَفِي ابْنِ عَاتٍ يَتَنَزَّلُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ، أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يَغْسِلْهُ وَنَقَلَهُ خَلِيلٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَذْهَبِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى.

(قُلْت) نَقَلَهُ سَنَدٌ وَنَصُّهُ: وَالْغَسْلُ مُتَعَلِّقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>