للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَأْخُذَ بِنِصْفِهِ فُلُوسًا أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَبِالْبَعْضِ الْبَاقِي فِضَّةً وَالْأَصْلُ فِيهَا الْمَنْعُ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ لِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الصَّرْفِ جِنْسٌ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ، وَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ، ثُمَّ خَفَّفَهُ لِضَرُورَةِ النَّاسِ وَلَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ سَحْنُونٌ وَفَصَّلَ أَشْهَبُ مَا أَجَازَهُ حَيْثُ لَا فُلُوسَ وَمَنَعَهُ فِي بَلَدٍ يُوجَدُ فِيهِ الْفُلُوسُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ، وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْفُلُوسُ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَذَكَرُوا لِلْجَوَازِ شُرُوطًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ غَالِبَهَا.

(الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَلَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ دِرْهَمَيْنِ وَيَأْخُذَ نِصْفًا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ ثَلَاثَةً وَيَأْخُذَ نِصْفًا وَكَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ وَفَهِمَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا أَنَّ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ الشَّخْصُ سِلْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كُلَّ سِلْعَةٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَيَرُدَّ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ نِصْفَ دِرْهَمٍ قَالَ: وَأَمَّا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَجَائِزَةٌ، وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَمَّا الْمَنْعُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ مَسَائِلِ ابْنِ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ فِي الْبُيُوعِ.

(الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ كَبِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ وَيَسْتَرِدَّ فِيهَا دِرْهَمًا صَغِيرًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْمَنْعِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَعَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ: وَشَرْطُ الرَّدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَوْنُهُ فِي دِرْهَمٍ كُلُّ الثَّمَنِ وَسِكَّةُ الْمَرْدُودِ، وَعَدَمُ زِيَادَتِهِ عَلَى النِّصْفِ وَأَمَّا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرَهَا فَالْمَنْعُ فِيهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى السِّلْعَتَيْنِ أَوْ السِّلَعِ جَمِيعًا فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَفِي السِّلْعَتَيْنِ يَدْفَعُ لَهُ دِرْهَمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ دِرْهَمَيْنِ وَيَأْخُذُ صَرْفَ دِرْهَمٍ كَامِلٍ وَفِي السِّلَعِ الْكَثِيرَةِ الْمَنْعُ أَظْهَرُ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " بِخِلَافِ دِرْهَمٍ " وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ شَرْطٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ فِي الدِّينَارِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ: وَالْمَعْرُوفُ مَنْعُ رَدِّ الذَّهَبِ فِي مِثْلِهِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الرَّدِّ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ النَّقْلُ الَّذِي نَقَلَهُ لِغَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَنْعَ الرَّدِّ فِي الدِّينَارِ.

(قُلْت) نَقَلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الرَّدِّ فِي الدِّينَارِ لَا أَعْرِفُهُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ عُدُولِ بَلَدِنَا الْمُدَرِّسِينَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَمَّا نُقِلَ عَنْهُ لِيُؤَنِّبَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْكَرَ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ اهـ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا فِي غَيْرِ الدِّينَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ الْمُشْتَرَكِ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِجَوَازِ رَدِّ الذَّهَبِ فِي مِثْلِهِ لِلشَّرِيكَيْنِ فِي دِينَارٍ مَثَلًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهَا فِي الْحُلِيِّ مِنْ بَابِ أَحْرَى؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْحُلِيِّ يَجُوزُ بِخِلَافِ قَطْعِ الدِّينَارِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ قَدَّاحٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَنْعِ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ التُّونِسِيِّينَ مِمَّنْ كَانَ فِي طَبَقَةِ شُيُوخِهِ كَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الزَّوَاوِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ زَيْتُونٍ، وَنَصَّ عَلَى الْجَوَازِ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَاللَّخْمِيُّ وَلَمْ يَحْفَظْ الشَّيْخَانِ الْأَوَّلَانِ نَصَّهُمَا اهـ. وَفُهِمَ مِنْ حَصْرِ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ فِي نِصْفٍ وَفُلُوسٍ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ فُلُوسٌ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ الْفُلُوسَ مَعَ الْفِضَّةِ، وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَشْهَبَ الْمَنْعُ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالْكَرَاهَةِ نَقَلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ.

(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ النِّصْفَ فَأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَخَذْت بِثُلُثِهِ، أَيْ الدِّرْهَمِ طَعَامًا وَبَاقِيهِ فِضَّةً فَمَكْرُوهٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>