قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ: أَمَّا حُكْمُ اللُّمْعَةِ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْإِيعَابِ وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَ لُمْعَةً مِنْ مَفْرُوضَاتِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ فِيمَنْ لَصِقَ بِذِرَاعَيْهِ قَدْرُ الْخَيْطِ مِنْ الْعَجِينِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ فَيُصَلِّي بِذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] وَهَذَا لَمْ يَغْسِلْ وَجْهَهُ وَإِنَّمَا غَسَلَ وَجْهَهُ إلَّا لُمْعَةً وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» وَقَوْلُهُ لِمَنْ تَرَكَ قَدْرَ ظُفْرٍ عَلَى رِجْلِهِ «أَعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ اسْمَ الْغَسْلِ يَثْبُتُ بِدُونِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ مِنْ الرَّأْسِ فِي مَسْحِهِ هَذَا الْقَدْرُ لَأَجْزَاهُ، فَكَذَلِكَ الْوَجْهُ فَإِنَّ الْكُلَّ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَاغْتِفَارُ ذَلِكَ الْقَدْرِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَالْخَاتَمِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي تَرْكِ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا كَانَتْ لُمْعَةً يَسِيرَةً كَالْخَيْطِ الرَّقِيقِ مِنْ الْعَجِينِ وَالْمَشْهُورُ اغْتِفَارُهُ ذَكَرَهُ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ بِهِ وَصَرَّحَ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَقْضِ غَيْرِهِ مَا يَجْعَلُهُ الرُّمَاةُ وَغَيْرُهُمْ فِي أَصَابِعِهِمْ مِنْ عَظْمٍ وَنَحْوِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - إذَا كَانَ ذَلِكَ ضَيِّقًا يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ وَاسِعًا يَدْخُلُ الْمَاءُ تَحْتَهُ فَتَكْفِي إجَالَتُهُ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ فَإِنَّهُ إنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا هُوَ حَائِلٌ فَقَالَ: أَيْ وَنَقْضِ غَيْرِ الْخَاتَمِ مِنْ كُلِّ حَائِلٍ فِي يَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبُرْزُلِيِّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ السُّيُورِيِّ يُزَالُ الْقَذْيَ مِنْ أَشْفَارِ الْعَيْنِ إذَا لَمْ يَشُقَّ جِدًّا، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: فَإِنْ صَلَّى بِهِ وَكَانَ يَسِيرًا مِثْلَ خَيْطِ الْعَجِينِ وَالْمِدَادُ فِيهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ فِيهِ الْإِعَادَةُ وَأَحْفَظُ لِابْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَنْ صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ فِي عَيْنِهِ عَمَشًا أَنَّهُ قَالَ: صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ دَلَكَ عَيْنَيْهِ بِيَدَيْهِ فِي وُضُوئِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا صَارَتْ بَعْدَ الصَّلَاةِ انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ.
(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْقَذَى، بَلْ كُلُّ حَائِلٍ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ طَرَأَ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ طَرَأَ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَهَذَا جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعِيدُ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا، وَالْقَذَى مَقْصُورٌ وَأَشْفَارُ الْعَيْنِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا أَثَرُ الْحِنَّاءِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَلَيْسَ بِلُمْعَةٍ قَالَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ تُخَضِّبُ يَدَيْهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ مِمَّا كَانَ النِّسَاءُ يَتَحَرَّيْنَهُ لِئَلَّا يَنْقُضَ خِضَابُهُنَّ الطُّهُورَ لِلصَّلَاةِ. ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ وَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّ صَبْغَ الْخِضَابِ الَّذِي يَحْصُلُ فِي يَدَيْهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ عَنْهَا بِالْغُسْلِ إذَا اغْتَسَلَتْ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْحِنَّاءَ لَيْسَتْ بِلُمْعَةٍ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا أَثَرُ النَّشَادِرِ فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ: كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحِنَّاءِ وَلَا يَعُدُّهُ لُمْعَةً وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يَعُدُّهُ لُمْعَةً وَيَنْقُلُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَائِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عِنْدَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ، فَعَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْخِضَابُ بِهِ وَكَذَا عِنْدَهُ الْحُرْقُوصُ الَّذِي لَا يُزَالُ بِالْمَاءِ بَلْ بِالتَّقْشِيرِ. قَالَ: وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَزُولُ بِالْمَاءِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَثَرُهُ كَالْحُرْقُوصِ الْمُسَمَّى بِالْغُبَارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) الظَّاهِرُ فِي النَّشَادِر مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَخُرُوجُ أَثَرِهِ عِنْدَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ حَائِلًا؛ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ أَيْضًا كَذَلِكَ يَخْرُجُ أَثَرُهُ عَنْ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَعُدُّوهُ حَائِلًا، وَأَمَّا الْحُرْقُوصُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَفْصُ وَالْغَالِبُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا عُمِلَ