الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّ الْبَيْعَ فَوْتٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُبْتَاعُ كَالصَّدَقَةِ ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أَحْدَثَهُ الْمُبْتَاعُ؛ وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَفْتَقِرُ لِلْقَبْضِ وَالْبَيْعَ لَا يَفْتَقِرُ لِلْقَبْضِ وَإِذَا كَانَتْ فِي الصَّدَقَةِ فَوْتًا فَهِيَ فِي الْبَيْعِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ فَوْتًا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ بَعْدَهُ مَا نَصَّهُ عِيَاضٌ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا فِي التَّنْبِيهَاتِ وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي عِتْقِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُجِزْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمَّا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَعَهُ فَوْتًا قَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَبَاعَهَا بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلَاحُهَا أَنَّهُ يَرُدُّ عَدَدَ الْمَكِيلَةِ تَمْرًا إنْ جَذَّهَا الثَّانِي وَقِيلَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَهَا أَوْجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ مَنْ اشْتَرَاهَا اشْتِرَاءً صَحِيحًا فَذَلِكَ كَالْعِتْقِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا وَهَبَهَا وَقَدْ اشْتَرَاهَا فَاسِدًا إنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ فَإِذَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ فَوْتًا فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَوْتًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ آكَدُ مِنْ الْهِبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ هَاهُنَا وَهُوَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمَوْهُوبُ لَوَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ وَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ جَائِزًا لِلْمَوْهُوبِ اهـ
فَفِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا إنَّ الْبَيْعَ أَوْكَدُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِيهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِنُفُوذِ الْبَيْعِ وَكَوْنِهِ فَوْتًا وَفِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي غَيْرَ أَنَّ مَا عَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَقَدْ تَأَوَّلَهَا غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ مَكِيلُهَا أَيْ إذَا عَلِمَ كَيْلَهَا وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذَا جُهِلَتْ الْمَكِيلَةُ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ قَوْلٍ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ حَالٍ كَمَا سَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ وَعَزَا الْقَوْلَ بِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ مُفِيتٍ لِفَضْلٍ وَابْنِ الْكَاتِبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَشَايِخِ وَعَزَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُفِيتٌ لِابْنِ مُحْرِزٍ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ مُحْرِزٍ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ مُفِيتٌ بِقَوْلِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ إنَّهُمْ مُفَوِّتُونَ وَإِنَّ فَضْلًا قَدْ قَالَ إنَّ الصَّدَقَةَ كَالْبَيْعِ عَلَى مَذْهَبِهِ وَتَأْوِيلِهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيتٍ أُخِذَ مِنْ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ الظَّاهِرَ تُؤُوِّلَ وَذَكَرَ تَأْوِيلَهُ وَنَصُّ كَلَامِهِ قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مُشْتَرِي السِّلْعَةِ الْغَائِبَةِ بِجَارِيَةٍ بِشَرْطِ النَّقْدِ لَوْ نَقَدَ الْبَيْعَ وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا وَجَازَ الْبَيْعُ لِمَنْ بَاعَهَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ قَبْضُهَا ظَاهِرٌ هَذَا أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا قَبَضَهَا وَلَوْ كَانَ بَيْعُهُ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ فَضْلٌ وَابْنُ الْكَاتِبِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَشَايِخِ وَأَنَّهُ تَأْوِيلُ مَا فِي الْكِتَابِ قَالَ فَضْلٌ
وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُوقَفَةً لَمْ تُقْبَضْ حَتَّى يُنْظَرَ أَمْرُ الْغَائِبَةِ لَمْ يَتِمَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا بَيْعٌ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْكَاتِبِ بِأَنَّهُ بَاعَ مَا ضَمَانُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَذَهَبَ ابْنُ مُحْرِزٍ فِي آخَرِينَ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَإِفَاتَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الصَّحِيحِ وَتَأَوَّلُوا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ إذَا قَبَضَهَا عَائِدٌ عَلَى التَّقْوِيمِ أَيْ إنَّمَا تُقَوَّمُ يَوْمَ قَبْضِهَا أَيْ إذَا كَانَ قَبَضَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا فَيَوْمُ عَقْدِ الْبَيْعِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ فِي الصَّدَقَةِ بِأَنَّهَا تُفِيتُهُ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَقَدْ قَالَ فَضْلٌ إنَّ الصَّدَقَةَ كَالْبَيْعِ وَقَدْ احْتَجَّتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهَا بِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَةً قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَقَالَ مَرَّةً عَلَيْهِ مَكِيلَتُهَا وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيتٍ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ اخْتِلَافَ قَوْلِهِ هُنَا لِاخْتِلَافِ الْحَالِ فَإِذَا عَرَفَ الْمَكِيلَةَ لَزِمَهُ مِثْلُهُ وَإِذَا جَهِلَ فَالْقِيمَةُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَعْلُومِ وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَوْتًا، انْتَهَى. فَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِنُفُوذِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ مُفَوَّتٌ وَكَذَلِكَ الظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ بَائِعُهُ وَهُوَ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَلَا مَضَاءَ قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute