للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَقْصَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ هُوَ جَمْعُ مَا ضُفِرَ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَمْسَحُ عَلَى عِقَاصِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهَا وَلَا تَنْقُضُ شَعْرَهَا وَقَدْ نَسَبَ فِي الذَّخِيرَةِ لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَمْسَحُ عَلَى الشَّعْرِ الْمَعْقُوصِ.

(الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْعَقِيصَةُ الَّتِي يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مَا تَكُونُ بِخَيْطٍ يَسِيرٍ وَأَمَّا لَوْ كَثُرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَائِلٌ قَالَ الْبَاجِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَثَّرَتْ شَعْرَهَا بِصُوفٍ أَوْ شَعْرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِيعَابِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ أَصْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ قُرُونُ شَعْرِهَا مِنْ شَعْرِ غَيْرِهَا أَوْ مِنْ صُوفٍ أَسْوَدَ كَثَّرَتْ بِهِ شَعْرَهَا لَمْ يُجْزِهَا الْمَسْحُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْزِعَهُ إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى شَعْرِهَا مِنْ أَجَلِهِ، وَفِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة» وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَإِذَا كَانَ مَا كَثَّرَتْ بِهِ مَرْبُوطًا عِنْدَ الْقَفَا أَوْ نَازِلًا عَنْهُ دَخَلَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَسْحِ مَا انْسَدَلَ. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: هَذَا إذَا كَانَ عِقَاصُهَا مِثْلَ عِقَاصِ الْعَرَبِ تَفْتِلُهُ ضَفَائِرَ صِغَارًا وَتَرْبِطُهُ بِالْخَيْطِ وَالْخَيْطَيْنِ، وَأَمَّا إنْ فَتَلَتْهُ عَلَى نَاحِيَتَيْنِ وَأَكْثَرَتْ عَلَيْهِ الْخُيُوطَ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِّهِ وَإِنْ مَسَحَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَنَحْوُهُ لِلْجُزُولِيِّ.

(قُلْتُ) وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا كَانَ مَا كَثَّرَتْ بِهِ شَعْرَهَا ظَاهِرًا فَوْقَ الشَّعْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مُسْتَبْطَنِ الشَّعْرِ فَلَا يَضُرُّ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنَّاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَوَصْلُ الشَّعْرِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَهَذَا إذَا وُصِلَ بِمَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ، وَأَمَّا خَيْطُ الْحَرِيرِ الَّذِي لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْلٍ وَلَا قُصِدَ بِهِ الْوَصْلُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّجَمُّلُ وَالتَّحْسِينُ نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ الْإِكْمَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا تَنْقُضُ عَقْصَهَا: يَعْنِي وَلَكِنْ تَسْقِيهِ الْمَاءَ وَتَضْغَثُهُ بِيَدِهَا ضَغْثًا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ دَاخَلَ الشَّعْرَ وَبَلَّ الْبَشَرَةَ. وَهَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ سَرَى ذِهْنُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الْغُسْلِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَلَوْ رَفَعَتْ الضَّفَائِرَ مِنْ أَجْنَابِ الرَّأْسِ وَعَقَصَتْ الشَّعْرَ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ وَهُوَ لَوْ تُرِكَ انْسَدَلَ عَنْ الرَّأْسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَسْحُهُ؛ لِأَنَّهُ حَائِلٌ دُونَ مَا يَجِبُ مَسْحُهُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ هُوَ كَالْعِمَامَةِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ عَلَى الرَّأْسِ حِنَّاءُ فَلَا تَمْسَحُ حَتَّى تَنْزِعَهُ فَتَمْسَحُ عَلَى الشَّعْرِ. قَالَ فِي الطِّرَازِ: إنَّ جَعْلَ الْحِنَّاءِ لِلضَّرُورَةِ وَالتَّدَاوِي مِنْ حَرٍّ وَشِبْهِهِ جَازَ وَلَا يَجِبُ نَزْعُهُ كَالْقِرْطَاسِ عَلَى الصُّدْغِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَاسَّةٍ وَهِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ إيصَالَ الْمَسْحِ لِلرَّأْسِ كَالثَّوْبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ حِنَّاءٌ وَكَانَتْ لِضَرُورَةٍ فَهِيَ كَالدُّهْنِ يُمْسَحُ عَلَيْهَا كَالْحَائِلِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَتْ لِضَرُورَةٍ مَسَحَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى مَا بَقِيَ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي الْقَدْرِ الْمُجْزِئِ، وَلَا يُجْزِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا إذَا كَانَ الْجَمِيعُ.

(قُلْتُ) قَوْلُهُ: إنْ كَانَ التَّدَاوِي فَلَا يَنْزِعُهُ يُرِيدُ إذَا خَافَ بِنَزْعِهِ ضَرَرًا فَإِنْ كَانَ الْحِنَّاءُ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ وَهُوَ لِضَرُورَةٍ مَسَحَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ وَعَلَى الْحِنَّاءِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ نَزَعَهُ، فَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْحِنَّاءِ وَكَانَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِهِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق عَنْ شَيْخِهِ الْقُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأُفْتِي النِّسَاءَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْحِنَّاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>