للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّا إذَا مَنَعْنَاهُمْ مِنْهُ تَرَكْنَ الصَّلَاةَ وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ فِعْلِهَا جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فَارْتِكَابُ الْأَخَفِّ أَوْلَى فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.

(قُلْتُ) يُشِيرُ بِالْخِلَافِ إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فِي الْفَرْعِ الْآتِي بَعْدَهُ.

(السَّادِسُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا وَلَا غَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ أَعَادَتْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ. قَالَ فِي الطِّرَازِ: يُرِيدُ إذَا أَمْكَنَهَا الْمَسْحُ عَلَى رَأْسِهَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ اخْتِيَارًا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاشْتَرَطَ ابْنُ حَنْبَلٍ أَنْ يُلْبَسَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنْ تَكُونَ الْعِمَامَةُ تَحْتَ الْحَنَكِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهَا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْجَوَازِ إذَا مَسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ وَمُتَعَلِّقُهُمْ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ» وَمَا فِي أَبِي دَاوُد أَنَّهُ «مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ مَسَحَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» قَالَ: وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] وَالْعِمَامَةُ لَا تُسَمَّى رَأْسًا، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ الْبَاءُ لِلتَّأْكِيدِ كَأَنَّهُ قَالَ امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ نَفْسَهَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمَرَافِقِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ» الْحَدِيثَ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ» وَكَانَ قَدْ مَسَحَ رَأْسَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ فِيهِ لَكَانَ مَسْحُهَا شَرْطًا وَلَا قَائِلَ بِهِ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ: لَا، حَتَّى تَمْسَحَ الشَّعْرَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُعْرَفْ لِذَلِكَ نَكِيرٌ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ فَإِنْ مَسَحَتْ عَلَى الْخِمَارِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَتْ الصَّلَاةَ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُعِيدُ الْوُضُوءَ قَالَ سَحْنُونٌ: لِأَنَّهَا مُتَعَمِّدَةٌ. يُرِيدُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَرَكَتْهُ سَهْوًا وَإِنَّمَا فَعَلَتْهُ جَهْلًا وَالْجَاهِلُ وَالْعَامِدُ سَوَاءٌ.

(قُلْتُ) وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَعَادَتْ الْوُضُوءَ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَامِدَةً وَكَذَا إنْ كَانَتْ جَاهِلَةً؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ كَالْعَامِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ كَالسَّاهِي، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ سَاهِيَةً فَتَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا فَقَطْ وَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَأَمَّا إنْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَتْ سَاهِيَةً مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَتَى مَا ذَكَرَتْ وَأَعَادَتْ غَسْلَ رِجْلَيْهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، وَحَدُّهُ جَفَافُ الْأَعْضَاءِ الْمُعْتَدِلَةِ فِي الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ كَانَتْ عَامِدَةً أَوْ جَاهِلَةً فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ جِدًّا فَإِنَّهَا تُزِيلُ الْحَائِلَ وَتَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا وَتُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهَا، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ أَعَادَتْ الْوُضُوءَ وَلَا يُحَدُّ الْقُرْبُ هُنَا بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ بَلْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ وَقَعَ الْمَسْحُ عَلَى الْحِنَّاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَهْلًا ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَنَزَعَهُ بِالْقُرْبِ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَلَا يُشْبِهُ مَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ عَبَثًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَإِنْ طَالَ ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ كَالْعَامِدِ لَا كَالسَّاهِي، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا مَسَحَ رَأْسَهُ مَتَى مَا ذَكَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إنْ كَانَ بِالْقُرْبِ وَالصَّلَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدَةٌ انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: فَرْعٌ إنْ مَسَحَتْ عَلَى الْوِقَايَةِ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ مَسَحَ رَجُلٌ عَلَى الْعِمَامَةِ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَبَطَلَ وُضُوءُهُ وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا وَإِنْ فَعَلَهُ جَهْلًا فَقَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَمْسَحُ عَلَى حَائِلٍ مَعَ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ فَجَائِزٌ ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ الطِّرَازِ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ أَحْمَدَ عِنْدِي أَقْرَبُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرَجِّحُهُ شَيْخُنَا، يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ وَلَا يُفْتِي بِهِ وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَاوَمَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ مُدَاوَمَتَهُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِيُؤْذِنَ بِالْإِبَاحَةِ، وَكَوْنُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>