للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَارِي رِجْلَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِلصَّلَاةِ قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيٍ، قِيلَ لَهُ: أَلَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ اللَّمْسِ قَالَ: لَا لَعَمْرِي وَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ شُغْلٍ أَوْ عُذْرٍ يَجِدُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ فِي لَمْسِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ الِالْتِذَاذَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ، فَلَوْ الْتَذَّ ابْنُ عُمَرَ لَمَا صَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَلِيَ الْمُغْتَسِلُ أَوْ الْمُتَوَضِّئُ أَوْ الْمُتَيَمِّمُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ وَلِيَ ذَلِكَ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ، وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ اسْتِنْكَافًا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِكْبَارًا عَنْهَا وَتَهَاوُنًا بِهَا انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَنَصُّهُ: سَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَمَّنْ تَوَضَّأَ عَلَى نَهْرٍ فَلَمَّا فَرَغَ خَضْخَضَ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ فَقَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَغْسِلُهُمَا وَلَا يُجْزِيهِ قَالَ أَصْبَغُ: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ غَسَلَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى؟ قَالَ: لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ يُجْزِيهِ.

ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْغَسْلَ فِي اللُّغَةِ لَا يُفْعَلُ إلَّا بِصَبِّ الْمَاءِ وَإِمْرَارِ الْيَدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ مِنْ دَلْكِ إحْدَى رِجْلَيْهِ بِالْأُخْرَى فِي دَاخِلِ الْمَاءِ إنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُمَا بِيَدَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ دَلْكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَا يُمْكِنُهُ أَوْ لَعَلَّهُ فَعَلَهُ اسْتِخْفَافًا مِنْ فَاعِلِهِ وَتَهَاوُنًا إذَا فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا الِاسْتِنَابَةُ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ فَتَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْوُضُوءِ؟ قُلْتُ أَمَّا فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ فَتَجُوزُ، وَأَمَّا فِي الدَّلْكِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنِيبُ مَرِيضًا.

قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ غَسْلِ وَجْهِهِ وَلَّى غَيْرَهُ مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي كَانَ يَلِي مِنْ نَفْسِهِ، وَأَجْزَأَ ذَلِكَ الْغَسْلُ عَنْ مُرَادِهِ، وَنِيَّتُهُ بِحَسَبِ مَا نَوَاهُ وَأَرَادَهُ وَغَيْرُ نَافِعٍ لَهُ مَا يَنْوِيه الْمَأْمُورُ مِنْ وِفَاقِهِ أَوْ خِلَافِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَلِيَ مِنْهُ مَا كَانَ يَلِي مِنْ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ فِيهَا الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ كَانَ كَمَا وَصَفْنَا، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْوُضُوءِ: وَلَوْ وَلَّى ذَلِكَ يَعْنِي غَسْلَ أَعْضَائِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مُكْرَهًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَجْزَأَهُ وَلَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ عِنْدَ فِعْلِ الْفَاعِلِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ وَأَحْدَثَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْفَاعِلِ تَمَّ لَهُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا إنْ نَوَى الطَّهَارَةَ بَعْدَ أَنْ غُسِلَتْ بَعْضُ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أُمِرَ بِإِعَادَةِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِذَلِكَ أَعَادَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ بَعْضَ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَلَّى بَعْدَ أَنْ أَعَادَ ذَلِكَ الْعُضْوَ وَحْدَهُ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنَكِّسِ. هَذَا إذَا أَعَادَ غَسْلَهُ بِالْقُرْبِ وَإِلَّا كَانَ مُفَرِّقًا لِلطَّهَارَةِ عَمْدًا فَلَا يُجْزِيهِ انْتَهَى. بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى (قُلْتُ) وَقَدْ تَجِبُ الِاسْتِنَابَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَقْطَعِ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْغُسْلِ وَفِي آدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا نَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، فَلَوْ أَرْسَلَ الْمَاءَ مِنْ يَدَيْهِ ثُمَّ مَرَّ بِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ لَمْ يُجْزِهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَلَيْسَ بِغَسْلٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّقْلِ حَمْلُ الْمَاءِ بِالْيَدِ إلَى الْعُضْوِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، فَلَوْ أَصَابَ الْمَطَرُ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ أَوْ جَسَدِهِ أَوْ خَاضَ بِرِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ وَتَدَلَّكَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا أَنَّ الْجُنُبَ إذَا انْغَمَسَ فِي نَهْرٍ وَتَدَلَّكَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إذَا نَصَبَ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ حَتَّى حَصَلَ فِيهِمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>