للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي التَّوْضِيحِ: الصُّوَرُ ثَلَاثٌ مِنْهَا مَا اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ النَّقْلِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّهْرِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ. يُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا انْغَمَسَ فِي النَّهْرِ وَتَدَلَّكَ فِيهِ لِلْغُسْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ الْمَاءَ بِيَدِهِ إلَيْهِ وَلَا صَبَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ سَحْنُونٍ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ.

(قُلْتُ) لِسَحْنُونٍ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ فَيُصِيبُهُ الْمَطَرُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ وَيَتَوَضَّأَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا هَلْ يَتَجَرَّدُ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمَطَرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَزِيرًا؟ قَالَ: إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ مَا يَبُلُّ جِلْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَجَرَّدَ وَيَتَطَهَّرَ. ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا إذَا نَصَبَ يَدَهُ لِلْمَطَرِ فَحَصَلَ فِيهَا مِنْ الْمَطَرِ مَا يَكُونُ بِنَقْلِهِ إلَى وَجْهِهِ وَسَائِرِ أَعْضَائِهِ غَاسِلًا لَهُ وَمِنْ بَلَّتِهِ مَا يَمْسَحُ بِهِ رَأْسَهُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الرَّأْسِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَا أَصَابَهُمَا مِنْ الْمَطَرِ دُونَ أَنْ يَنْقُلَ إلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَدَيْهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ رَوَاهُ عَنْهُ عِيسَى فِيمَا حَكَى الْفَضْلُ وَذَلِكَ أَيْضًا قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَأَبْقَى رِجْلَيْهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَغَسَلَهُمَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى بِهِ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَدَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوُضُوءِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إجْمَاعَهُمْ عَلَى إجْزَاءِ انْغِمَاسِ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ وَتَدَلُّكِهِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوُضُوءِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلَّ صُوَرِ الْغَسْلِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِيهَا، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى صُوَرِ الِانْغِمَاسِ وَلَوْ اغْتَسَلَ خَارِجَ الْمَاءِ كَانَ كَالْوُضُوءِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَقَالَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَبِالثَّانِي قَطَعَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ غَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ بِمَا أَصَابَهَا مِنْ الْمَطَرِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ قَوْلَانِ، مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ فِي النَّهْرِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا لَوْ لَاقَى بِرَأْسِهِ الْمَطَرَ ثُمَّ مَسَحَهُ بِيَدَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ حُكِيَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ مَسَحَ بِمَا عَلَى رَأْسِهِ مِنْ بَلَلِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمُ وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونًا قَالَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِمَاءِ الْمَطَرِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى هَذَا فَاتَّفَقَ نَقْلُ الْبَاجِيِّ وَابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِجْزَاءِ فِي الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَسْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَاجِيِّ: وَأَمَّا إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ يَعْنِي الرَّأْسَ فَهُوَ أَنْ يَنْقُلَ بَلَلَ الْمَاءِ بِيَدِهِ إلَيْهِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ جَافَّةً عَلَى بَلَلِ رَأْسِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَسْحٍ بِالْمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْحٌ بِيَدِهِ، حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي يَتَوَضَّأ بِالْمَطَرِ يَنْصِبُ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ فَيَمْسَحُ بِالْبَلَلِ رَأْسَهُ، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى جَسَدِهِ بِمَا صَارَ فِيهِ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَاءَ الْمَسْحِ يَسِيرٌ فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ لَمْ يَكُنْ الْمَاسِحُ مَاسِحًا بِالْمَاءِ وَمَاءُ الْغُسْلِ يَعْلَقُ بِالْيَدِ وَيَتَصَرَّفُ مَعَهَا عَلَى أَعْضَاءِ الْغُسْلِ كَانَ فِي الْيَدِ مَاءٌ أَمْ لَا لِكَثْرَتِهِ فَيَكُونُ غَاسِلًا بِالْمَاءِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] يَقْتَضِي وُجُوبَ النَّقْلِ إذْ التَّقْدِيرُ أَلْصِقُوا بَلَلَ أَيْدِيكُمْ بِرُءُوسِكُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>